شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: لا يعذب بعذاب الله

          ░149▒ باب: لاَ يُعَذَّبُ بِعَذَابِ اللهِ
          فيه: أَبُو هُرَيْرَةَ: بَعَثَنَا الرَّسولُ صلعم في بَعْثٍ، فَقَالَ: (إِنْ وَجَدْتُمْ فُلانًا وَفُلانًا فَأَحْرِقُوهُمَا بِالنَّارِ، ثُمَّ قَالَ حِينَ أَرَدْنَا الْخُرُوجَ: إِنِّي أَمَرْتُكُمْ أَنْ تُحْرِقُوهما، وَإِنَّ النَّارَ لا يُعَذِّبُ بِهَا إِلَّا اللهُ، فَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمَا فَاقْتُلُوهُمَا). [خ¦3016]
          وفيه: عِكْرِمَةُ: أَنَّ عَلِيًّا حَرَّقَ قَوْمًا، فَبَلَغَ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: لَوْ كُنْتُ أَنَا لَمْ أُحَرِّقْهُمْ، لأنَّ النَّبيَّ ◙، قَالَ: (لا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللهِ)، وَلَقَتَلْتُهُمْ كَمَا قَالَ ◙: (مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ). [خ¦3017]
          قال المُهَلَّب: ليس نهيه ◙ عن التَّحريق بالنَّار على معنى التَّحريم، وإنَّما هو على سبيل التَّواضع لله، وأن لا يتشبَّه بغضبه في تعذيب الخلق؛ إذ القتل يأتي على ما يأتي عليه الإحراق.
          والدَّليل على أنَّه ليس بحرامٍ سَملُ الرَّسول صلعم عين العُرَنيِّين بالنَّار في مصلَّى المدينة بحضرة الصَّحابة. وتحريق عليِّ بن أبي طالبٍ الخوارج بالنَّار، وأكثر علماء المدينة يجيزون تحريق الحصون على أهلها بالنَّار، وقول أكثرهم بتحريق المراكب، وهذا كلُّه يدلُّ أنَّ معنى الحديث على الحضِّ والنَّدب لا على الإيجاب والفرض، والله أعلم.
          وممَّن كره رمى أهل الشِّرك بالنَّار: عُمَر بن الخطَّاب وابن عبَّاسٍ وعمر بن عبد العزيز، وهو قول مالك بن أنسٍ، وأجازه عليُّ بن أبي طالبٍ، وحرَّق خالد بن الوليد ناسًا من أهل الرِّدَّة، فقال عمر لأبي بكر الصِّدِّيق: انزع هذا الذي يعذِّب بعذاب الله. فقال أبو بكر: لا أَشِيمُ سيفًا سَلَّه الله على المشركين.
          وأجاز الثَّوريُّ رمى الحصون بالنَّار.
          وقال الأوزاعيُّ: لا بأس أن يدخِّن عليهم في المطمورة إذا لم يكن فيها إلَّا المقاتلة، ويحرِّقوا ويقتلوا بكلِّ قتلة، ولو لقيناهم في البحر رميناهم بالنِّفط والقطران.
          وأجاز ابن القاسم حرق الحصن والمراكب إذا لم يكن فيها إلَّا المقاتلة فقط.