شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب مداواة النساء الجرحى في الغزو

          ░67▒ باب: مُدَاوَاةِ النِّسَاءِ الْجَرْحَى في الْغَزْوِ.
          فيه: الرُّبَيِّعُ بِنْتُ مُعَوِّذ: (كُنَّا مَعَ الرَّسولِ نَسْقِي وَنُدَاوِي الْجَرْحَى وَنَرُدُّ الْقَتْلَى إلى الْمَدِينَةِ). [خ¦2882]
          وترجم له باب: ردِّ النِّساء القتلى.
          قال المُهَلَّب: فيه مباشرة المرأة غير ذي محرمٍ منها في المداواة وما شاكلها من إلطاف المرضى ونقل الموتى.
          فإن قيل: كيف جاز أن يباشر النِّساء الجرحى وهم غير ذوي محارمٍ منهنَّ؟
          فالجواب: أنَّه يجوز ذلك للمتجالَّات منهنَّ؛ لأنَّ موضع الجرح لا يلتذُّ بلمسه، بل تقشعرُّ منه الجلود، وتهابه النُّفوس، ولمسه عذابٌ للَّامس والملموس، وأمَّا غير المتجالَّات منهن فيعالجن الجرحى بغير مباشرةٍ منهنَّ لهم، بأن يصنعن الدَّواء ويضعه غيرهنَّ على الجرح، ولا يمسسن شيئًا من جسده.
          قال غيره: والدَّليل على صحَّة هذا التَّأويل أنِّي لم أجد أحدًا من سلف العلماء يقول في المرأة تموت مع الرِّجال أو الرَّجل يموت مع النِّساء غير ذوي المحارم لا يحضر ذلك غيرهم أنَّ أحدًا منهما يغسِّل صاحبه دون حائلٍ وثوبٍ يستره.
          وقال الحسن البصريُّ: يصبُّ عليها من فوق الثِّياب، وهو قول النَّخَعِيِّ وقَتادة والزُّهريِّ وبه قال إسحاق.
          وقالت طائفة: تُيَمَّم بالصعيد، روي ذلك عن سعيد بن المسيِّب والنَّخعيِّ أيضًا، وبه قال مالكٌ والكوفيُّون وأحمد، وقال الأوزاعيُّ: تدفن كما هي ولا تُيمَّم. وهذا يدلُّ من قولهم أنَّه لا يجوز عندهم مباشرة غير ذوي المحارم؛ لأنَّ حالة الموت أبعد من التَّسبُّب إلى دواعي اللَّذة والذَّريعة إليها من حال الحياة، فلمَّا اتَّفقوا أنَّه لا يجوز للأجنبيِّ غسل الأجنبية الميتة مباشرًا لها دون ثوبٍ يسترها، دلَّ بأنَّ مباشرة الأحياء الأحسَّ أولى بأن لا يجوز، والله أعلم.