شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب قول الله تعالى {لا يستوي القاعدون من المؤمنين}

          ░31▒ باب: قَوْلِ اللهِ تعالى: {لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}الآية[النساء:95].
          فيه: الْبَرَاءُ: لَمَّا نَزَلَتْ: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}[النساء:95]دَعَا النَّبيُّ ◙، زَيْدًا، فَجَاءَ بِكَتِفٍ، فَكَتَبَهَا، وجَاءَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَشَكَا ضَرَارَتَهُ، فَنَزَلَتْ: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ}[النساء:95]. [خ¦2831]
          وفيه: زَيْدٌ: (أَنَّ النَّبيَّ ◙ أَمْلَى عَليَّ: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ في سَبِيلِ اللهِ}، قَالَ: فَجَاءَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وَهُوَ يُمِلُّهَا؛ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَوْ أَسْتَطِيعُ الْجِهَادَ لَجَاهَدْتُ، وَلكنيَ رَجُل أَعْمَى، فَأَنْزَلَ اللهُ على رَسُولِهِ وَفَخِذُهُ على فَخِذِي، فَثَقُلَتْ عَلَي حَتَّى خِفْتُ أَنَّ تَرُضَّ فَخِذِي، ثُمَّ سُرِّي عَنْهُ فَأَنْزَلَ اللهُ: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ}[النساء:95]). [خ¦2832]
          قال المُهَلَّب: فيه دليلٌ أنَّ من حبسه العذر عن الجهاد وغيره من أعمال البرِ مع نيَّته فيه فله أجر المجاهد والعامل؛ لأنَّ نصَّ الآية على المفاضلة بين المجاهد والقاعد ثمَّ استثنى من المفضولين أولي الضَّرر، وإذا استثناهم من المفضولين فقد ألحقهم بالفاضلين، وقد بيَّن النَّبيُّ ◙ هذا المعنى، فقال: ((إنَّ بالمدينة أقوامًا ما سلكنا واديًا / وشِعبًا إلَّا وهم معنا حبسهم العذر)) وقد جاء عن الرَّسول صلعم فيمن كان يعمل شيئًا من الطَّاعة ثمَّ حبسه عنه مرضٌ أو غيره أنَّه يُكتَب له ما كان يعمل وهو صحيحٌ، وكذلك من نام عن حزبه نومًا غالبًا كتب له أجر حزبه، وكان نومه صدقةً عليه، وهذا معنى قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ}[التين:6]أي غير مقطوعٍ بزمانةٍ أو كبرٍ أو ضعفٍ، ففي هذا أنَّ الإنسان يبلغ بنيَّته أجر العامل إذا كان لا يستطيع العمل الذي ينويه، وسيأتي زيادة في هذا المعنى في باب يُكتَب للمسافر ما كان يعمل في الإقامة إن شاء الله. [خ¦2996]
          وفيه اتِّخاذ الكاتب وتقييد العلم، وفيه قرب الكاتب من مستكتبه حتَّى تمسَّ ركبتُه ركبتَه.