شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب من طلب الولد للجهاد

          ░23▒ باب مَنْ طَلَبَ الْوَلَدَ لِلْجِهَادِ
          فيه: أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ النَّبيُّ صلعم: (قَالَ سُلَيْمَانُ: لأطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ على مِائَةِ امْرَأَةٍ، أَوْ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ، كُلُّهُنَّ تَأْتِي بِفَارِسٍ يُجَاهِدُ في سَبِيلِ اللهِ، فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: إِنْ شَاءَ اللهُ، فَلَمْ يَقُلْ إِنْ شَاءَ اللهُ، فَلَمْ تحْمِلْ مِنْهُنَّ إِلَّا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ، جَاءَتْ بِشِقِّ رَجُلٍ، والذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْ قَالَ: إِنْ شَاءَ اللهُ، لَجَاهَدُوا في سَبِيلِ اللهِ فُرْسَانًا أَجْمَعُونَ). [خ¦2819]
          قال المُهَلَّب: في هذا الحديث حضٌّ على طلب الولد بنيَّة الجهاد في سبيل الله، وقد يكون الولد بخلاف ما أمله فيه، فيكون كافرًا، ولكن قد تمَّ له الأجر في نيَّته وعمله.
          وفيه أنَّ من قال: إن شاء الله. وتبرَّأ من المشيئة لله ولم يعط الخاصَّة لنفسه في أعماله، أنَّه حرى بأن يبلغ أمله ويعطى أمنيته، ألا ترى أنَّ سليمان لمَّا لم يرد المشيئة إلى الله، ولم يستثن ما لله، فمن ذلك حرم أمله، ولو استثنى لبلغ أمله، كما قال صلعم وليس كلُّ من قال قولًا ولم يستثن فيه المشيئة فواجب ألَّا يبلغ أمله بل منهم من يشاء الله إتمام أمله، ومنهم من يشاء ألَّا يتمَّ أمله بما سبق في علمه، ولكن هذه التي أخبر عنها الرَّسول صلعم أنَّها ممَّا لو استثنى المشيئة لتمَّ أمله فدلَّ هذا على أنَّ الأقدار في علم الله على ضروبٍ.
          فقد يُقَدَّر للإنسان الولد والرِّزق والمنزلة إن فعل كذا أو قال أو دعا، فإن لم يفعل ولا قال لم يعط ذلك الشَّيء، وأصل هذا في قصَّة يونس صلعم قال تعالى: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِن الْمُسَبِّحِينَ. لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}[الصافات:143-144]فبان بهذه الآية أنَّ تسبيحه كان سبب خروجه من بطن الحوت، ولو لم يسبح ما خرج منه.
          وفيه أنَّ الاستثناء قد يكون بإثر / القول، وإن كان فيه سكوت يسير لم تنقطع به دونه الأفكار الحائلة بين الاستثناء واليمين، وسيأتي ذلك في موضعه، إن شاء الله.