شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب استئذان الرجل الإمام لقوله: {إنما المؤمنون الذين آمنوا}

          ░113▒ باب: اسْتِئْذَانِ الرَّجُلِ الإمَامَ، وقوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ}[النور:62]
          فيه: جَابِرٌ: (غَزَوْتُ مَعَ النَّبيِّ ◙، فَتَلاحَقَ بِيَ النَّبيُّ صلعم وَأَنَا على نَاضِحٍ لَي قَدْ أَعْيَا، فَتَخَلَّفَ النَّبيُّ صلعم فَزَجَرَهُ وَدَعَا لَهُ، فَمَا زَالَ بَيْنَ يَدَي الإبِلِ قُدَّامَهَا يَسِيرُ، فَقَالَ: كَيْفَ تَرَى بَعِيرَكَ؟ قُلْتُ: بِخَيْرٍ، أَصَابَتْهُ بَرَكَتُكَ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي عَرُوسٌ، فَاسْتَأْذَنْتُهُ، فَأَذِنَ لي، فَتَقَدَّمْتُ النَّاسَ إلى الْمَدِينَةِ) الحديث. [خ¦2967]
          قال المُهَلَّب: هذه الآية أصلٌ في أن لا يبرح أحدٌ عن السُّلطان إذا جمع النَّاس لأمرٍ من أمور المسلمين يحتاج فيه إلى اجتماعهم أو جهادهم عدوًّا إلَّا بإذنه؛ لأنَّ الله تعالى قال: {فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ}[النور:62]فعلم أنَّ الإمام ينظر في أمر الذي استأذنه، فإن رأى أن يأذن له أذن، وإن لم ير ذلك لم يأذن له؛ لأنَّه لو أبيح للنَّاس تركه ◙ والانصراف عنه لدخل الخرم وانفضَّ الجمع ويجد العدوُّ غرَّةً، فيثبون عليها وينتهزون الفرصة في المسلمين.
          وفيه أنَّ من كان حديث عهدٍ بعرسٍ أو متعلِّق القلب بأهله وولده فلا بأس أن يستأذن في التَّعجيل عند الغفلة إلى دار الإسلام كما فعل جابرٌ، وفي هذا المعنى حديث لداود النَّبيِّ صلعم أنَّه قال في غزوة خرج إليها: لا يتبعني من ملك بضع امرأةٍ ولم يبن بها، أو بنى دارًا ولم يسكنها. فإنَّما أراد أن يخرج معه من لم يشغل نفسه بشيءٍ من علائق الدُّنيا؛ ليجتهد فيما خرج له وتصدق نيَّته ويثبت في القتال ولا يفرَّ؛ فيدخل الجبن على غيره ممَّن لا يريد الفرار، وسيأتي ما بقى من معاني هذا الباب في كتاب البيوع وغيره إن شاء الله. [خ¦2097] /