شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب ما يكره من رفع الصوت في التكبير

          ░131▒ باب: مَا يُكْرَهُ مِنْ رَفْعِ الصَّوْتِ بالتَّكْبِيرِ
          فيه: أَبُو مُوسَى: كُنَّا مَعَ النَّبيِّ ◙، فَكُنَّا إِذَا أَشْرَفْنَا على وَادٍ هَلَّلْنَا وَكَبَّرْنَا، ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُنَا، قَالَ ◙: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ارْبَعُوا على أَنْفُسِكُمْ، إِنَّكُمْ لا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلا غَائِبًا، إِنَّهُ مَعَكُمْ سَمِيعٌ قَرِيبٌ). [خ¦2992]
          قال المُهَلَّب: إنَّما نهاهم _والله أعلم_ عن رفع الصَّوت إبقاءً عليهم ورفقًا بهم؛ لأنَّهم كانوا في مشقَّة السَّفر فأراد: اكلَفوا من العمل ما تطيقون وكان بالمؤمنين رحيمًا، ثمَّ أعلمهم أنَّ الله يعلم خفيَّ كلامهم بالتَّكبير كما يسمع عاليه؛ إذ لا آفة تمنعه من ذلك؛ لأنَّه سميعٌ قريبٌ.
          قال الطَّبريُّ: في هذا الحديث من الفقه كراهية رفع الصَّوت بالدُّعاء وهو قول عامَّة السَّلف من الصَّحابة والتَّابعين، حدَّثني يعقوب بن إبراهيم، حدَّثني إسماعيل، عن هشامٍ، حدَّثني قَتادة، عن الحسن، عن قيس بن عُبَاْدَة قال: ((كانَ أصحابُ رسولِ اللهِ يكرهونَ رفعَ الصَّوتِ عندَ ثلاثةِ مواطنٍ: عندَ الذِّكرِ، وعند القتال، وعند الجنائز)).
          وروى يحيى بن سعيدٍ، حدَّثنا هشامٌ، عن قَتادة، عن الحسن، عن قيس بن عُبَاْدَة قال: كان أصحاب رسول الله يكرهون رفع الصَّوت ورفع الأيدي عند القتال، والدُّعاء.
          قال سعيد بن أبي عروبة: حدثنا قَتادة، عن سعيد بن المسيَّب قال: ثلاث /
          ممَّا أحدث النَّاس: رفع الصَّوت عند الدُّعاء، ورفع الأيدي، واختصار السجود، وذكر عن مجاهدٍ أنَّه رأى رجلًا يرفع صوته بالدُّعاء فحصبه.
          وقوله: (ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُم) ففي كتاب «الأفعال»: ربع به: رفق به، وربع عن الشَّيء: كفَّ عنه، ومنه قيل: اربع على نفسك.