شرح الجامع الصحيح لابن بطال

[كتاب الحيل]

          ░░90▒▒ كِتَاب(1) الْحِيَل
          ░1▒ باب: في تَرْكِ الْحِيَلِ وَأَنَّ لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى في الأيْمَانِ وَغَيْرِهَا
          فيه: عُمَرُ سَمِعْتُ النَّبيَّ صلعم يَقُولُ: (إِنَّمَا الأعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَلِكُلِّ امْرِئٍ(2) ما نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلى اللهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إلى اللهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إلى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ). [خ¦6953]
          هذا الحديث حجَّةٌ لصحَّة مذهب مالكٍ في الأيمان أنَّها على نيَّة المحلوف له ولا تنفعه التورية عنده، وردٌّ على الكوفيِّين والشافعيِّ(3) أنَّها على نيَّة الحالف أبدًا، وتنفعه التورية في سقوط الحنث خاصَّةً / عنه كالرجل يحلف لغريمه وهو معسرٌ: والله ما لك عندي شيءٌ. وينوي(4) في هذا الوقت من أجل عسري، وأنَّ الله أنظرني(5) إلى الوجود، وكالحالف بالطلاق يقول: هندٌ طالقٌ وله زوجةٌ تسمَّى بهندٍ، وقد نوى امرأة أجنبيَّة تسمَّى بهندٍ، أو يريد طلاقها من موضع سكانها أو طلاقها من قيدٍ، وكالحالف(6) على أكل طعامٍ وخصَّ طعامًا بعينه، وكالحالف لغريمه وهو يريد شيئًا ما غير ما له عليه، فإن كان الحالف يخاصمه غرماؤه وزوجته أخذه الغرماء بظاهر لفظه، ولم يلتفتوا فيه إلى نيَّته في الحكم وحملوا الكلام على بساطه ومخرجه، هذا قول مالكٍ وأهل المدينة.
          والذين أجازوا التورية إنَّما فروا من الحنث بمعاريض الكلام، وجعلوه على نيَّته في يمينٍ لا يقتطع بها مال أخيه ولا يبطل حقَّه، فإن(7) اقتطع بيمينه مال أحدٍ(8)، فلا مخرج له عند أحد(9) من أهل العلم ممَّن يقول بالتورية وغيرها، ولا يكون ذلك المال حلالًا عندهم ولابدَّ من ردِّه إلى صاحبه.
          قال المُهَلَّب: ولو جازت التورية لنوى الإنسان عند حلفه في الحقوق غير ما طولب به، ولحلَّ له ما اقتطعه بهذه اليمين المعرج بها عن طريق الدعوى؛ ولذلك أنزل الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} الآية(10)[آل عِمْرَان:77]. ولمَّا اتَّفقوا معنا أنَّه لا يحلُّ شيءٌ من ذلك المال لآخذه علم(11) أنَّ التورية لا تزيل الحنث، وسقط قولهم.


[1] في (ص): ((باب)).
[2] في (ص): ((وإنما لامرىء)).
[3] في (ص): ((والشافعية)).
[4] في (ص): ((يعني)).
[5] في (ص): ((قد أنظر)).
[6] في (ص): ((وكالحلف)) وكذا في الموضع بعده.
[7] في (ص): ((وإن)).
[8] في (ص): ((آخر)).
[9] في (ص): ((فلا مخرج لأحد)).
[10] في (ص): ((وأيمانهم، الآية)).
[11] في (ص): ((ذلك المال وعلم)).