شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب من أراد غزوة فورَّى بغيرها ومن أحب الخروج يوم الخميس

          ░103▒ باب: مَنْ أَرادَ غَزوَةً(1) فَورَّى بِغَيرِها وَمَنْ أَرادَ الخروجَ يَومَ الخَمِيسِ
          فيه: كَعْبٌ: (أَنَّ الرَّسول ◙ لَم يَكُنْ يُرِيدُ غَزْوَةً إِلَّا وَرَّى بِغَيْرِهَا، حَتَّى كَانَتْ غَزْوَةُ تَبُوكَ فَغَزَاهَا النَّبيُّ صلعم في حَرٍّ شَدِيدٍ، وَاسْتَقْبَلَ سَفَرًا بَعِيدًا وَمَفَازًا، وَاسْتَقْبَلَ غَزْوَ عَدُوٍّ كَثِيرٍ، فَجَلَّى لِلْمُسْلِمِينَ أَمْرَهُمْ؛ لِيَتَأَهَّبُوا أُهْبَةَ غَزْوِهِمْ، وَأَخْبَرَهُمْ بِوَجْهِهِ الذي يُرِيدُ. وَقَلَّ َمَا كَانَ ◙ يَخْرُجُ في سَفَرٍ إِلَّا يَوْمَ الْخَمِيسِ، وخَرَجَ يَوْمَ الْخَمِيسِ في غَزْوَةِ تَبُوك). [خ¦2948] [خ¦2949]
          قال المُهَلَّب: فيه المكايدة في الحرب، وطلب غرَّة العدوِّ، وفيه جواز الكلام بغير نيَّةٍ للإمام وغيره إذا لم يضرَّ بذلك أحدًا وكان فيه نفعٌ للمسلمين خاصَّةً وعامَّةً فهو جائزٌ، وهو خارجٌ من باب الكذب، وأخبرهم ◙ بغزوة تبوك لطول المدَّة؛ ليتأهَّبوا كما ذكر في الحديث، ولأنَّه آمنٌ ألَّا يسبقه إليها الخبر لبعد الشُّقَّة التي بينه وبينها وقفرها، وخروجه يوم الخميس لمعنًى يجب أن يحمل عليه ويتبرَّك به؛ لأنَّ لنا في رسول الله أسوةً حسنةً.
          وقوله: (وَرَّى بِغَيرِها) قال أبو عليٍّ الفَسَويُّ: أصله من الوَريُ كأنَّه قال: لم يشعر به، من وَرِيَ كأنَّه قال: ساترت بكذا، وأصحاب الحديث لا يضبطون الهمز فيه، وتصغيره: وُرَيَّة وأصله: وُرَيْيَة، ويسقط واحدة منهما كما قلت في عطاء: عُطَيٌّ، والأصل: عُطَيْيٌ فتقول: ورَّيت عن كذا وكذا بغير همزٍ، والمفازة: المهلكة، سمِّيت بذلك تفاؤلًا بالفوز والسَّلامة، كما قالوا للَّديغ: سَلَيمٌ.
          وذكر ابن الأنباريِّ عن ابن الأعرابيِّ: المفازة مأخوذةٌ من قولهم: قد فَوَّز الرَّجل: إذا هلك.


[1] في (ص): ((غزو)) والمثبت من المطبوع.