شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: يكتب للمسافر مثل ما كان يعمل في الإقامة

          ░134▒ باب: يُكْتَبُ لِلْمُسَافِرِ مَا كَانَ يَعْمَلُ في الإقَامَةِ
          فيه: أَبُو بُرْدَةَ: أنَّهُ اصْطَحَبَ وَيَزِيدُ بْنُ أبي كَبْشَةَ في سَفَرٍ، فَكَانَ يَزِيدُ يَصُومُ في السَّفَرِ، فَقَالَ أَبُو بُرْدَةَ: سَمِعْتُ أَبَا مُوسَى مِرَارًا، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ: (إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ، كُتِبَ لَهُ مَا كَانَ يَعْمَلُ صَحِيحًا مُقِيمًا). [خ¦2996]
          قال المُهَلَّب: أصل هذا في كتاب الله، قال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} إلى {إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ}[التين:4-6]أي: غير مقطوعٍ، يريد أنَّ لهم أجرهم في حال الكبر والضَّعف عما كانوا يفعلونه في الصِّحَّة غير مقطوعٍ لهم؛ فلذلك كلُّ مرضٍ من غير الزَّمانة وكلُّ آفةٍ من سفرٍ وغيره يمنع من العمل الصَّالح المعتاد؛ فإنَّ الله قد تفضَّل بإجراء أجره على من منع ذلك العمل بهذا الحديث.
          قال المؤلِّف: وليس هذا الحديث على العموم، وإنَّما هو لمن كانت له نوافل وعادةٌ من عمل صالحٍ فمنعه الله منها بالمرض أو السَّفر، وكانت نيَّته لو كان صحيحًا أو مقيمًا أن يدوم عليها ولا يقطعها؛ فإنَّ الله يتفضَّل عليه بأن يكتب له أجر ثوابها حين حبسه عنها، فأمَّا من لم يكن له تنفُّلٌ ولا عملٌ صالحٌ فلا يدخل في معنى الحديث؛ لأنَّه لم يمنعه مرضه من شيءٍ / فكيف يكتب له ما لم يكن يعمله؟ وما يدلُّ أنَّ الحديث في النَّوافل ما روى معمرٍ، عن عاصم بن أبي النَّجود، عن خيثمة، عن عبد الله بن عَمْرٍو قال رسول الله: ((إنَّ العبد إذا كان على طريقٍ حسنةٍ من العبادة، ثمَّ مرض قيل للملك الموكل به: اكتب له مثل عمله إذا كان طلقًا حتَّى أطلقه أو أكفته إليَّ)) وقوله: ((إذا كان على طريقٍ حسنةٍ من العبادة)) لا يقال: إلَّا في النَّوافل، ولا يقال ذلك لمؤدِّي الفرائض خاصَّةً؛ لأنَّ المريض والمسافر لا يسقط عنهما صلوات الفرائض؛ فسنَّة المريض الجلوس، وسنَّة المسافر قصر الصَّلاة، فلم يبق أن يكتب للمريض والمسافر إلَّا أجر النَّوافل كما قال ◙: ((ما من امرئٍ تكون له صلاةٌ من اللَّيل يغلبه عليها نومٌ إلَّا كتب له أجر صلاته، وكان نومه صدقةً عليه)) وهذا لا إشكال فيه.