شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب وجوب النفير وما يجب من الجهاد والنية

          ░27▒ باب وُجُوبِ النَّفِيرِ وَمَا يَجِبُ مِنَ الْجِهَادِ وَالنِّيَّةِ.
          وقوله تعالى: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا}[التوبة:41]، وَقَوْلِهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا في سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ}الآية[التوبة:38]
          فيه: ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ رسُولُ الله صلعم: (لا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا). [خ¦2825]
          قال المُهَلَّب: النَّفير والجهاد يجبان وجوب فرضٍ ووجوب سنَّة، فأمَّا من استنفر لعدوٍّ غالبٍ ظاهرٍ فالنَّفير فرضٌ عليه، ومن استنفر لعدوٍّ غير غالبٍ ولا قويٍّ على المسلمين فيجب عليه وجوب سنَّة، من أجل أنَّ طاعة الإمام المستنفر / للعدوِّ الغالب قد لزم الجهاد فيه كلَّ أحدٍ مشخص بعينه وأمَّا العدوُّ المقاوم أو المغلوب فلم يلزم الجهاد فيه لزوم التَّشخيص لكلِّ إنسانٍ، وما لزم الجماعة فمن انتدب له قام به، ومن قعد عنه أرجو أن يكون في سعةٍ، ومن ذلك قوله: (لا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ) وذلك أنَّه كان في بدء الإسلام فرضًا على كلِّ مسلمٍ أن يهاجر مع الرَّسول صلعم فيقاتل معه حتَّى تكون كلمة الله هي العليا، فلمَّا فتح الله مكَّة وكسر شوكة صناديد قريشٍ ودخل النَّاس في دين الله أفواجًا نزلت المقاومة من المسلمين والشَّدَفِ(1) على عدوِّهم فلم تلزم النَّاس الهجرة بعدُ لكثرة المسلمين، وسيأتي تفسير باقي الحديث، ومذاهب العلماء في قوله: (لا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ) في آخر كتاب الجهاد في باب لا هجرة بعد الفتح، إن شاء الله. [خ¦3077]


[1] هكذا ترجحت قراءتنا لهذه الكلمة من (ص) وبيض لها في المطبوع والشدف: الظلمة.