شرح الجامع الصحيح لابن بطال

[أبواب صلاة الخوف]

          ░░12▒▒ باب: صَلاةِ الْخَوْفِ.
          وَقَوْلِ اللهِ تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ(1)} إلى قوله: {عذابًا مُهِينًا}(2)[النساء:101-102]
          فيه: ابْن عُمَرَ قَالَ: (غَزَوْتُ مَعَ النبيِّ صلعم قِبَلَ نَجْدٍ، فَوَازَيْنَا الْعَدُوَّ، فَصَافَفْنَا لَهُمْ(3)، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلعم يُصَلِّي لَنَا، فَقَامَتْ طَائِفَةٌ مَعَهُ، / وَأَقْبَلَتْ طَائِفَةٌ(4) على الْعَدُوِّ، فَرَكَعَ(5) رَسُولُ اللهِ صلعم بِمَنْ مَعَهُ، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفُوا مَكَانَ الطَّائِفَةِ الَّتِي لَمْ تُصَلِّ، فَجَاؤُوا فَرَكَعَ رَسُولُ اللهِ صلعم بِهِمْ(6) رَكْعَةً وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، فَرَكَعَ لِنَفْسِهِ رَكْعَةً، ثمَّ سَجَدَ(7) سَجْدَتَيْنِ). [خ¦942]
          قال المؤلِّف: لم يذكر البخاريُّ في أبواب(8) صلاة الخوف غير حديث ابن(9) عمر هذا(10)، وذكر في كتاب المغازي حديث مالكٍ عن يزيد(11) بن رومان، عن صالح بن خوَّاتٍ، عمَّن شهد مع رسول الله صلعم صلاة الخوف يوم ذات الرِّقاع: ((أنَّ طائفةً صَفَّت(12) معَهُ وطائفةً وِجَاهَ العدوِّ، فصلَّى بالَّتي(13) معَهُ ركعةً ثمَّ ثبتَ قائمًا، وأتَمُّوا(14) لأنفسِهم، ثمَّ انصرفوا وصَفُّوا وِجَاهَ العدوِّ، وجاءَت الطَّائفةُ الأخرى فصلَّى بهمُ الرَّكعة الَّتي بقيَت مِنْ صلاتِهِ، ثمَّ ثبَت جالسًا وأتَمُّوا لأنفسِهم، ثمَّ سلَّم بِهِم)).
          قال مالكٌ: هذا أحسن ما سمعت في(15) صلاة الخوف، هكذا رواه البخاريُّ عن قتيبة، عن مالكٍ، وكذلك هو(16) في «موطَّأ» القعنبيِّ، وابن بكيرٍ، وأبي مصعبٍ، قال مالكٌ: وحديث يزيد بن رومان أحبُّ ما سمعت إليَّ(17)، وفي «موطَّأ» يحيى بن يحيى، قال مالكٌ: وحديث القاسم أحبُّ ما سمعت إليَّ في صلاة الخوف. وذكر إسماعيل بن إسحاق، عن ابن وهبٍ(18)، عن مالكٍ قال: حديث يزيد(19) أحبُّ إليَّ(20)، ثمَّ رجع فقال: يكون قضاؤهم بعد السَّلام أحبُّ إليَّ على(21) حديث القاسم، وذكر البخاريُّ في المغازي عن مُسَدَّدٍ، عن يحيى القطَّان، عن يحيى بن سعيدٍ، عن القاسم(22) بن محمَّدٍ، عن صالح بن خوَّاتٍ، عن سهل بن أبي حَثْمَة(23) قال: يقوم الإمام مستقبل القبلة وطائفةٌ منهم معه، وطائفةٌ من قِبَلِ العدوِّ ووجوههم إلى العدوِّ فيصلِّي(24) بالَّذين معه ركعةً، ثمَّ يقومون فيركعون لأنفسهم ركعةً ويسجدون سجدتين في مكانهم، ثمَّ يذهب هؤلاء إلى مقام أولئك فيجيء أولئك فيركع بهم ركعةً فله ثنتان، ثمَّ يركعون ويسجدون سجدتين. هكذا رواه مُسَدَّدٌ عن القطَّان، عن يحيى بن سعيدٍ لم يذكر فيه سلام الطَّائفة الأولى إذا تمَّت(25) صلاتها، ولا ذكر سلام النَّبيِّ صلعم(26) بالطَّائفة الثَّانية قبل أن تتمَّ لأنفسها، وذكر(27) مالكٌ في ذلك في روايته عن(28) يحيى بن سعيدٍ، والزِّيادة من الحافظ مقبولةٌ(29).
          وذكر البخاريُّ(30) في المغازي حديث جابرٍ إلَّا أنَّه لم يسنده قال(31): وقال أَبَان: حدَّثنا يحيى بن أبي كثيرٍ، عن أبي سلمة، عن جابرٍ قال: ((كنَّا معَ النَّبيِّ صلعم بذات الرِّقاعِ فصلَّى بطائفةٍ رَكعَتينِ، ثمَّ تأخروا(32)، وصلَّى بالطَّائفةِ الأخرى رَكعتينِ، فكانَ للنَّبيِّ صلعم أربعُ رَكعاتٍ وللقومِ رَكعَتانِ)).
          وهذه الأحاديث كلُّها قد قال بها قومٌ من الفقهاء، وسأذكر أقوالهم بعد ذِكْرِي مَن قال بأحاديث ابن عمر المقدَّمة(33) في هذا الباب. في حديث ابن عمر أنَّ الطَّائفة(34) الأولى الَّتي صلَّى بها النَّبيُّ صلعم، ركعة لم تقض(35) ركعتها الثَّانية إلَّا بعد سلام النَّبيِّ صلعم، أنَّهم(36) كانوا في انصرافهم وِجَاهَ العدوِّ في حكم الصَّلاة، وكذلك الطَّائفة الثَّانية قضوا ركعتهم بعد سلام النَّبيِّ صلعم أيضًا. وقال بهذا(37) أبو حنيفة وأشهب صاحب مالكٍ والأوزاعيُّ، ثمَّ رجع فأخذ بحديث غزوة ذات الرِّقاع، قاله سَحْنُون، إلَّا أنَّ أبا حنيفة فرَّق بين الطَّائفة الأولى والثَّانية في القراءة في الرَّكعة الثَّانية التي تقضيها(38) فقال: لا تقرأ الطَّائفة الأولى فيها؛ لأنَّها في حكم صلاة الإمام حتَّى يصلِّي بالطَّائفة الثَّانية تمام صلاته، فقراءته(39) فيها تُسقط عنهم القراءة، ثمَّ يسلِّم وينصرف، والطَّائفة الثَّانية تقرأ لأنَّها تقضي بعد صلاة الإمام، ولم يتحمَّل عنهم القراءة، ولم يكونوا في حكمه.
          قالوا: وحديث ابن عمر تشهد له الأصول المجتمع عليها في سائر الصَّلوات أنَّ المأموم لا يقضي إلَّا بعد سلام الإمام(40)، وليس في الأصول خروج المأموم قبل فراغ إمامه من صلاته الَّتي افتتحها معه، وهم الطَّائفة الأولى على ما رواه مالكٌ في حديث(41) القاسم، وذلك يوجب(42) انتظار الإمام فراغ المأمومين من صلاتهم، فيصير الإمام تابعًا لهم، ولا نظير لهذا في الأصول.
          قال ابن القَصَّار: فالجواب أنَّ هذه الصَّلاة نفسها قد خرجت عن الأصول عند أبي حنيفة وعندنا؛ أنَّه(43) ليس في الأصول أنَّ المأموم ينصرف بعد ركعةٍ فيعمل أعمالًا غير عمل الإمام ويذهب ويجيء ويستدبر القبلة حتَّى / يفرغ الإمام من صلاته ثمَّ يجيء فيتمُّ بهم، ويقول إنَّ الله تعالى أمر نبيَّه أن يفرِّق النَّاس طائفتين، ويجعل لكلِّ طائفةٍ ركعتين، فينبغي أن يُسوَّى(44) بينهما، فلمَّا قلتم وقلنا في الطَّائفة الثَّانية أنَّ ركعتهما(45) الثَّانية تكون خارجة من(46) صلاة الإمام؛ وجب أن تكون الطَّائفة الأولى كذلك فتكون ركعتهما(47) الثَّانية خارجة عن حكم صلاة الإمام.
          وقولنا يؤدِّي إلى الاحتراز من العدوِّ؛ لأنَّ الطَّائفة الأولى إذا تمَّت صلاتها ومرَّت(48) وجاه العدوِّ واحتاجت إلى القتال فعلته(49)، وهي في غير صلاةٍ وتمكنَّت بغير(50) شغل قلبٍ بالصَّلاة، وعندكم إن رمى واحدٌ منهم بسهمٍ أو قاتل بطلت صلاته، وهذا أضرُّ على المسلمين من قولنا، وقد يحترز من العدوِّ بالصِّياح والكلام ليُعلم المصلِّين(51) ما طرق من الحوادث وهذا خارج الصَّلاة أمكن، وأمَّا حديث يزيد بن رومان(52) في أنَّ الطَّائفة الأولى إذا صلَّى بها الإمام(53) ركعةً، فإنَّها تتمُّ لنفسها بقيَّة صلاتها وتسلِّم ثمَّ تنصرف وجاه العدوِّ، ثمَّ تأتي الطَّائفة الثَّانية فيصلِّي الإمام بها(54) ركعةً، ثمَّ يثبت الإمام حتَّى تقضي ركعتها الثَّانية ويسلِّم بهم(55) فقال به الشَّافعيُّ، واختاره أحمد بن حنبلٍ، وهو الَّذي رجع عنه مالكٌ.
          قال(56) الشَّافعيُّ: والمصير(57) إليه أولى من حديث القاسم؛ لأنَّه موقوفٌ وحديث يزيد أشبه بظاهر كتاب الله تعالى(58)، واحتجَّ بأنَّ الله تعالى ذكر استفتاح الإمام ببعضهم بقوله تعالى: {فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ}[النساء:102]، ثمَّ قال: {فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ}[النساء:102]، وذكر انصراف الطَّائفتين والإمام من الصَّلاة معًا بقوله: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاَةَ}[النساء:103]، وذلك للجمع(59) لا للتبعيض، ولم يذكر أنَّ على واحدٍ منهم قضاء، قال: وفي الآية دليل على أنَّ الطَّائفة الثَّانية لا تدخل في الصَّلاة إلَّا بعد انصراف الطَّائفة الأولى لقوله تعالى: {وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ}[النساء:102]، دليلٌ على أنَّ الطَّائفة الأولى تنصرف، فلم يبق عليها من الصَّلاة شيءٌ تفعله بعد الإمام(60).
          وقال(61) ابن القصَّار(62): يُقال(63) للشَّافعيِّ كلَّما أمكن ألَّا تخرج الصَّلاة من(64) الأصول فهو أولى، وفي الأصول(65) سلام الإمام قبل أن يقضي المأموم صلاته، ولولا أنَّ الضرورة دعت إلى(66) أن تقضي الطَّائفة الأولى ما بقي عليها قبل(67) فراغ الإمام لما جوَّزنا لها ذلك، ولا ضرورة بنا أن تقضي الثانية باقي صلاتها قبل إمامها، ومبادرة الإمام أولى من بقائه لما يحدث ويشغل(68) قلب صاحب الجيش أشدُّ ممَّن يتبعه فيخفِّف عليه(69) بالمبادرة بالسَّلام(70).
          وقوله: {فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ}[النساء:102]معناه ما بقي من صلاتك، ويقضون ما فاتهم، فأمَّا أن يصلُّوا معه ما لم يصلِّه معهم فمحال(71)، وقوله: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاَةَ} لا يقتضي أن يكون قضاء الجميع معًا(72)، وإنَّما هو إخبارٌ عما أُبيح لهم فعله بعد الصَّلاة من ذكر الله ╡ وغير ذلك كما قال تعالى(73): {فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ}[البقرة:200]، ولم يقتض ذلك أن يكون قضاء مناسكهم(74) معًا؛ لأنَّ قضاء من تعجَّل في يومين قبل قضاء من تأخَّر، وقد خاطب الله تعالى الجميع لا البعض.
          وأمَّا حديث القاسم فقال(75) به مالكٌ، وأحمد(76) بن حنبلٍ، وأبو ثورٍ، وفي(77) رواية مالكٍ أنَّه(78) سلام الطَّائفة الأولى إذا قضت ركعتها، وينصرفون إلى العدوِّ وهم في غير صلاةٍ، ثمَّ تصلِّي الطَّائفة الثَّانية ركعتها الأولى وراء الإمام، ثمَّ يسلِّم الإمام ويتمُّون لأنفسهم بعد سلامه، وهو موافقٌ لحديث يزيد إلَّا في سلام النَّبيِّ صلعم قبل أن تتمَّ الطَّائفة الثَّانية(79) ركعتها الثَّانية.
          قال المُهَلَّب: وهذه الصِّفة _أعني حديث القاسم_ هي الموافقة(80) لكتاب الله ╡، قال الله تعالى: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ}، يعني الباقين {فَإِذَا سَجَدُواْ}[النساء:102]، يعني المصلِّين {فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ(81)}[النساء:102]، يعني الَّذين هم مواجهة العدوِّ، فاشترط الله تعالى أن تكون إحدى الطَّائفتين في غير صلاةٍ مواجهين للعدوِّ والثَّانية في الصَّلاة، وقوله(82) تعالى: {وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ}[النساء:102]، يدل أنَّ الأولى قد صلَّت تمام صلاتها، وقوله تعالى: {فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ(83)}[النساء:102 / يقتضي بقيَّة صلاة النَّبيِّ صلعم كلِّها وإذا اقتضى ذلك وجب أن يُسلِّم؛ لأن آخر صلاته السَّلام(84).
          قال غيره: وهذا أشبه بالأصول؛ لأنَّ المأموم أبدًا إنَّما يقضي بعد فراغ إمامه وسلامه، فهو أولى على ما بيَّناه من(85) حديث يزيد بن رومان. وأما حديث جابرٍ فقد حُكي عن الشَّافعيِّ أنَّه قال به، وقال: صلاة الخوف يصلِّي الإمام(86) بكلِّ طائفةٍ ركعتين، وهو على أصله في جواز صلاة المفترض(87) خلف المتنفِّل.
          قال أصحابه: هذا(88) إذا(89) كان في سفرٍ(90) وهو مخيَّرٌ عنده في السَّفر بين القصر والإتمام(91)، ولم يُحفظ عن النَّبيِّ صلعم أنَّه صلَّى صلاة خوفٍ قطُّ في حضرٍ ولم يكن له حربٌ في حضرٍ(92) إلَّا يوم الخندق، ولم تكن نزلت صلاة الخوف بعدُ. ودفع مالكٌ وأبو حنيفة هذا التَّأويل وقال أصحابهما: إنَّ النَّبيَّ صلعم كان في حضرٍ ببطن(93) النَّخل على باب المدينة ولم يكن مسافرًا، وإنما كان خوف فخرج منه(94) محترسًا، ولم يُنقل عنه(95) صلعم سلام في ركعتين(96) بهم.
          قال ابن القصَّار: وكذلك نقول: إذا كان الخوف في حضرٍ أن يصلِّي بكل طائفةٍ ركعتين، ولو ثبت أنَّه كان في سفرٍ فصلَّى(97) بكلِّ طائفةٍ ركعتين لكان هذا خاصًّا للنَّبيِّ صلعم للفضيلة في الصَّلاة خلفَه.
          قال(98) المُهَلَّب: لا يصحُّ أنَّه كان في حضرٍ؛ لأنَّ جابرًا ذكر في الحديث أنَّهم كانوا بذاتِ الرِّقاعِ، وقد كانت صلاة الخوف(99) نزلت. قال(100) الطَّحاويُّ: ولا(101) حجَّة لمن قال بهذا الحديث؛ لأنَّه قد يجوز أن يكون ذلك من النَّبيِّ صلعم(102)، والفريضة حينئذٍ(103) تُصلَّى مرَّتين فتكون كلُّ واحدةٍ(104) منهما فريضةً، وقد كان ذلك يُفعل في أوَّل الإسلام ثمَّ نُسخ، وقد ذكرت(105) الحديث بذلك في باب إذا صلَّى ثمَّ أمَّ(106) قومًا عند حديث معاذ في أبواب الإمامة قبل هذا. [خ¦711]
          قال المؤلِّف(107): وقد رُوي عن جابرٍ خلاف حديثه هذا المتقدِّم، روى(108) شعبة، عن الحكم، عن(109) يزيد الفقير، عن جابرٍ قال: ((صلَّينا مَعَ النَّبيِّ صلعم صَلاةَ الخَوفِ فركَعَ في الصَّفِ المتقدِّمِ(110) ركعةً وسجدَ سجدَتَينِ، ثمَّ تأخَّروا ثمَّ تقدَّمَّ الآخرونَّ، فركعَ بهم رَكعةً واحدةً، وسجدَ سَجدتينِ(111) فكانَت للنَّبيِّ صلعم ركعتينِ وللنَّاسِ ركعةً ركعةً(112)))، وقد يجوز أن يكون النَّبيُّ صلعم صلَّى على ما روى جابرٌ مرَّتين على صفتين. وقد قال أحمد بن حنبلٍ: أحاديث صلاة الخوف صحاحٌ كلُّها، ويجوز(113) أن تكون في مرَّاتٍ مختلفةٍ على حسب شدَّة الخوف، ومن صلَّى بصفةٍ منها فلا حرج عليه، وهو قول الطَّبريِّ وطائفةٍ من أهل الحديث.
          قال ابن القصَّار: وحُكي عن أبي يوسف والمزنيِّ أنَّهما قالا: صلاة(114) الخوف منسوخةٌ ولا يجوز أن تُصلَّى بعد النَّبيِّ صلعم وقالا: إنَّما خاطب الله تعالى نبيَّه صلعم بذلك، فهو خاصٌّ له لا يشاركه فيه غيره؛ لأنَّ في صلاة الخوف تغيير(115) هيئات لا تجوز إلَّا خلف النَّبيِّ صلعم؛ لأنَّ كونهم خلفه عوض من تغيير الهيئات، وكانت صلاة الخوف ثابتةً في الشَّريعة، ثمَّ نُسخت بدلالة(116) تأخيره صلعم الصَّلاة(117) يوم الخندق عن وقتها(118) إلى هويٍّ من اللَّيل ثمَّ قضاها دفعةً، وقال: ((مَلأَ اللهُ قبورَهم وبُيوتَهم نارًا))، فلو جازت صلاة الخوف لم يكن ليؤخِّرَ(119) الصَّلاة عن وقتها، وهذا قولٌ شاذٌّ وجماعة الفقهاء على خلافه.
          قال الطَّحاويُّ: وممَّا يردُّ هذا القول قوله ╡: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ(120)}الآيةَ[التوبة:103]، فكان الخطاب ههنا له، وقد أجمعوا أنَّ ذلك معمولٌ به من بعده، كما كان يُعمل به في حياته.
          قال ابن القصَّار: وما ذكروه(121) من النَّسخ بدلالة تأخيره يوم الخندق فهو قول من لا يعرف السُّنن(122)، وذلك أنَّ الله تعالى أمر نبيَّه صلعم(123) بصلاة الخوف بعد الخندق؛ لأنَّ يوم الخندق كان(124) سنة خمسٍ وصلاة الخوف في غزوة ذات الرِّقاع في(125) سنة سبعٍ، فكيف يُنسخ الآخرُ بالأوَّل؟! وإنَّما يُنسخ الأوُّل بالآخر، والصَّحابة أعرف بالنَّسخ من غيرهم وقد صلَّوا صلاة الخوف. فأمَّا(126) قولهم: إنَّ فيها تغييرًا وترك الرُّكوع والقبلة، فيُقال لهم: في هذا ردُّ ما أوجبه القرآن وفعله النَّبيُّ صلعم، ثمَّ إنَّ(127) استدراك فضيلة الوقت مع تغيير الصِّفات أولى؛ ألا ترى(128) عادم الماء أُخذ عليه أن يصلِّي في الوقت بالتَّيمُّم، ولم يُرخَّص له في تأخيرها عن وقتها حتَّى يجد الماء، فسقط قولهم. /


[1] زاد في (م) و (ق): ((إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا* وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ)).
[2] قوله: ((قوله: عذابًا)) ليس في (ص).
[3] في (م) و (ق): ((فصاففناهم)).
[4] قوله: ((طائفة)) ليس في (ص).
[5] في (م) و (ق): ((وركع)).
[6] في (م) و (ق): ((فركع بهم رسول الله صلعم))، في (ص): ((فركع رسول الله بهم)).
[7] في (م) و (ق): ((وسجد)).
[8] في (م) و (ق): ((في هذا الباب من أحاديث)).
[9] في (ص): ((أبي)).
[10] قوله: ((هذا)) ليس في (م) و (ق).
[11] في (ق): ((زيد)).
[12] في (ص): ((صلَّت)).
[13] في (ص): ((فصلَّى النَّبيُّ بمن)).
[14] في (ص): ((فأتمُّوا)).
[15] في (ص): ((من)).
[16] قوله: ((في)) ليس في (ق).
[17] قوله: ((قال مالك: وحديث يزيد بن رومان أحب ما سمعت إليَّ)) ليس في (م) و (ق).
[18] في (م): ((وذكر إسماعيل عن وهب)).
[19] في (م): ((قال: وحديث زيد)).
[20] زاد في (م) و (ق): ((قال)).
[21] زاد في (م) و (ق): ((روايته في)).
[22] في (م) و (ق): ((وذكر البخاري في المغازي حديث القاسم قال [في (ق): ((فقال)).]: حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن يحيى عن القاسم)).
[23] في (ص): ((خثمة)).
[24] في (ق): ((فصلى)).
[25] في (م) و (ق): ((أتمت)).
[26] في (ص): ((ولا ذكر سلام الرسول)).
[27] في (ص) لعلَّها: ((وذلك)) وضرب عليها.
[28] في (م) و(ق).
[29] في (م): ((مقبولة من الحافظ)).
[30] في (ص): ((مالك)).
[31] في (م) و (ق): ((وقال فيه)).
[32] في (ق): ((تأخر)).
[33] في (ص): ((المتقدمة)).
[34] في (م) و (ق): ((بعد ذكري من قال بحديث ابن عمر لأنه في هذا الباب وفيه أن الطائفة)).
[35] في (ص): ((لم تتم)).
[36] في (م): ((وأنهم)).
[37] زاد في (م) و (ق): ((الحديث)).
[38] في (م): ((تقضها))، و في (ق): ((يقضيها))، في (ص) صورتها: ((تقصها)).
[39] في (ص): ((وقراءته)).
[40] في (ق) و (م): ((إمامه)).
[41] زاد في المطبوع و(ص): ((ابن)).
[42] في (ص): ((وجه)).
[43] في (ز): ((أنه)) والمثبت من باقي النسخ. في (ص): ((لأنَّه)).
[44] في (ص): ((نسوي)).
[45] في (ق) و(م): ((ركعتها)).
[46] في (م): ((عن)).
[47] في (ق) و (م): ((ركعتها)).
[48] في (م) و (ق): ((ومضت)).
[49] قوله: ((فعلته)) ليس في (ق).
[50] في (م): ((بعد)).
[51] في (م): ((للمصلين)).
[52] زاد في (م) و (ق): ((الذي رجع عنه مالك)).
[53] في (ص): ((صلَّى الإمام بها)).
[54] في (ص): ((فيصلِّي بها الإمام)).
[55] قوله: ((في أن الطائفة الأولى إذا صلى بها... ويسلم بهم)) ليس في (م) و (ق).
[56] في (م) و (ق): ((فقال به الشافعي واختاره ابن حبيب وقال)).
[57] في (ق): ((المصير)).
[58] زاد في (م) و (ق): ((وموضع الخلاف فيه بين مالك والشَّافعيِّ أنَّه [في (ق): ((أنَّ)).] في حديث يزيد أنَّ الإمام لا يسلِّم في آخر صلاته حتَّى تفرغ الطَّائفة الثَّانية ويسلِّم الإمام بهم)).
[59] في (ص): ((للجميع)).
[60] قوله: ((واحتج الشافعي بأن الله تعالى، ذكر استفتاح الإمام.... شيء تفعله بعد الإمام.)) ليس في (م) و (ق).
[61] في (م): ((قال)).
[62] قوله: ((وقال ابن القصار)) ليس في (ق).
[63] في (ق) و (م): ((فيقال)).
[64] في (م) و (ق): ((عن)).
[65] زاد في (م) و (ق): ((أن)).
[66] قوله: ((إلى)) ليس في (م) و (ق).
[67] في (ق): ((بعد)).
[68] في (ق): ((وشغل)).
[69] قوله: ((عليه)) ليس في (ق). في (م) و(ص): ((عنه)).
[70] في (م) و (ق): ((قبل السلام)) وكتب فوقها بالسلام.
[71] قوله: ((وقوله: {فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ} [النساء: 102]، معناه... معهم فمحال)) ليس في (م) و (ق). وبدل منه قوله: ((قال الشافعي وقوله تعالى: {ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك} فيجب ان يصلوا معه جميع الصلاة فيقال له هذه حجتنا لأنهم لم يصلوا معه جميع الصلاة وإنما صلوا معه ركعة فكأنه قال: فليصلوا معك ما بقي من صلاتك)).
[72] قوله: ((معًا)) ليس في (م).
[73] في (ص): ((من ذكر الله وغير ذلك كما قال)).
[74] في (ص): ((مناسككم)).
[75] في المطبوع و(ص): ((فقد قال)).
[76] في (م) و (ق): ((وأما حديث القاسم الذي رجع إليه مالك فقال به أحمد)).
[77] في (ق): ((في)).
[78] في (م) و(ق) و(ي) و(ص): ((له))، و في المطبوع: ((أنَّ)).
[79] قوله: ((الثانية)) ليس في (ق).
[80] في (م) و (ق): ((قال المهلب وحديث القاسم هو الصفة الموافقة)).
[81] قوله: ((يعني المصلِّين {فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ}))ليس في (ص).
[82] في (ص): ((قوله)).
[83] قوله: ((يدل أنَّ الأولى قد صلَّت تمام صلاتها، وقوله تعالى: {فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ})) ليس في (ص).
[84] في (ق): ((لأنها آخر صلاته ◙)). في (ص): ((التسليم)).
[85] في (م) و (ق): ((في)).
[86] قوله: ((الإمام)) ليس في (م).
[87] في (م): ((الفرض)).
[88] في (ي) و(ص): ((وهذا)).
[89] قوله: ((إذا)) ليس في (م) و (ق).
[90] في (ق): ((سفره)).
[91] في (م) و (ق): ((عنده بين القصر والإتمام في السفر)).
[92] قوله: ((ولم يكن له حرب في حضر)) ليس في (ص).
[93] في (ص) صورتها: ((بيان)) لكن غير منقوطة.
[94] قوله: ((منه)) ليس في (م) و (ق).
[95] في (م) و (ق): ((أنه)).
[96] في (م) و (ق): ((سلم في كل ركعتين)).
[97] في (م) و (ق): ((وصلى)).
[98] في (م): ((وقال)).
[99] زاد في (ص): ((قد)).
[100] في (ي) و (م) و(ص): ((وقال)).
[101] في (م) و (ق): ((لا)).
[102] في (م) و (ق): ((رسول الله صلعم)).
[103] قوله: ((حينئذٍ)) ليس في (ص).
[104] في (م): ((واحد)).
[105] في (م): ((ذكر)).
[106] في (ص): ((صلَّى فأمَّ)).
[107] قوله: ((قال المؤلف)) ليس في (م) و (ق).
[108] في (م) و (ق): ((خلاف حديث يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عنه روى [في (ق): ((وروى)).])).
[109] في (م): ((بن)).
[110] في (م) و (ق): ((بالصف المقدم))، في (ص): ((في الصف المقدم)).
[111] قوله: ((ثم تأخروا، ثم تقدم الآخرون، فركع بهم ركع واحدة، وسجد سجدتين)) ليس في (ي).
[112] قوله: ((ركعة)) ليس في (ق).
[113] في (م) و(ق) و (ي): ((وقد يجوز)).
[114] في (ق): ((صلوات)).
[115] في (ص): ((تغير)).
[116] في (ق): ((بدليل)).
[117] قوله: ((الصلاة)) ليس في (م).
[118] قوله: ((عن وقتها)) ليس في (ق) و (م).
[119] في (ز) و(ي): ((لم يكونوا يؤخروا)) والمثبت من (م) و(ق)، في (ص): ((لم يكونوا يؤخرون)).
[120] قوله: ((وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ)) ليس في (ص).
[121] في (م): ((ما ذكره)).
[122] في (ق) و (م): ((السير)).
[123] قوله: ((نبيه صلعم)) ليس في (م) و (ق)، قوله: ((صلعم)) ليس في (ص).
[124] في (م): ((كانت)).
[125] قوله: ((في)) ليس في (م) و (ق).
[126] في (م) و (ق): ((وأما)).
[127] قوله: ((إنَّ)) ليس في (ص).
[128] زاد في (م): ((أن)).