شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب العون بالمدد

          ░184▒ باب: العَوْن بِالمدَدِ
          فيه: أَنَسٌ: (أَنَّ النَّبيَّ صلعم أَتَاهُ رِعْلٌ وَذَكْوَانُ وَعُصَيَّةُ وَبَنُو لَحْيَانَ، فَزَعَمُوا أَنَّهُمْ قَدْ أَسْلَمُوا، وَاسْتَمَدُّوهُ على قَوْمِهِمْ، فَأَمَدَّهُمُ صلعم بِسَبْعِينَ مِنَ الأنْصَارِ، كُنَّا نُسَمِّيهِمُ الْقُرَّاءَ، يَحْتَطِبُونَ بِالنَّهَارِ وَيُصَلُّونَ بِاللَّيْلِ، فَانْطَلَقُوا بِهِمْ حَتَّى بَلَغُوا بِئْرَ مَعُونَةَ غَدَرُوا بِهِمْ فَقَتَلُوهُمْ، فَقَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو عَليهم. قَالَ أَنَس: وقَرَؤُوا بِهِمْ قُرْآنًا: أَلا بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمَنَا بِأَنَّا قَدْ لَقِيَنَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا، ثُمَّ رُفِعَ بَعْدُ ذَلِكَ). [خ¦3064]
          قال المُهَلَّب: فيه أنَّ السُّنَّة مضت من النَّبيِّ / صلعم في أن يمدَّ ثغوره بمدد من عنده، وجرى بذلك العمل من الأئمَّة بعده.
          وفيه: الدُّعاء في الصَّلاة على أهل العصيان والشِّرك، وإنَّما ذلك على قدر جرائمهم.
          وفيه: أنَّه قد يجوز النَّسخ في الأخبار على صفةٍ ولا تكون تكذيبًا(1)، إمَّا يكون نسخه ترك تلاوته فقط، كما أنَّ نسخ الأحكام ترك العمل بها، فربَّما عُوِّض من المنسوخ من الأحكام حكمًا غيره، وربَّما لم يُعوَّض ففما نسخ من الأحكام ولم يعوض منه أمره تعالى بالصَّدقة عند مناجاة الرَّسول صلعم، ثمَّ عفى عنَّا بغير عوضٍ من الشَّرع بنسخه، بل ترك العمل به، وكذلك الأخبار نسخها من القرآن رفع ذكرها، وترك تلاوتها لا أن تكذَّب بخبرٍ آخر مضادٍ لها، ومثله ممَّا نسخ من الأخبار ما كان يقرأ في القرآن: (لو أنَّ لابن آدم واديين من ذهبٍ لابتغى لهما ثالثًا).


[1] في (ص) والمطبوع: ((كليا)) والمثبت التوضيح.