شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب من حدث بمشاهده في الحرب

          ░26▒ باب مَنْ حَدَّثَ بِمَشَاهِدِهِ في الْحَرْبِ.
          فيه: السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ: صَحِبْتُ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللهِ، وَسَعْدًا، وَالْمِقْدَادَ بْنَ الأسْوَدِ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، فَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا مِنْهُمْ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلعم إِلَّا أَنِّي سَمِعْتُ طَلْحَةَ يُحَدِّثُ عَنْ يَوْمِ أُحُدٍ. [خ¦2824]
          قال المؤلِّف: إنَّما لم يحدِّث هؤلاء عن رسول الله _والله أعلم_ خشية التَّزيُّد والنُّقصان لئلَّا يدخلوا في معنى قوله صلعم: ((من تقوَّل عليَّ ما لم أقل فليتبوَّأ مقعده من النَّار)) فاحتاطوا على أنفسهم أخذًا بقول عمر: ((أقلُّوا الحديث عن رسول الله وأنا شريككم)) وقد تقدَّم هذا في كتاب العلم. [خ¦109]
          وأمَّا حديث طلحة عن مشاهده يوم أحد، ففيه من الفقه: أنَّ للرَّجل أن يحدِّث عمَّا تقدَّم له من العناء في إظهار الإسلام وإعلاء كلمته، وما نفَّذ فيه من أعمال البرِّ والموجبات غير النَّوافل؛ لأنَّه كان عليهم نصر الرَّسول صلعم وبذل أنفسهم دونه فرضًا ليتأسَّى بذلك متأسٍّ ولا يدخل ذلك في باب الرِّياء؛ لأنَّ إظهار الفرائض أفضل من سترها ليشاد منار الإسلام وتظهر أعلامه، وكان طلحة من أهل النَّجدة وثبات القدم في الحرب.
          ذكر البخاريُّ عن قيس في المغازي، قال: ((رأيت يد طلحة شلَّاء وقى بها الرَّسول صلعم يوم أحدٍ)) وعن أبي عثمان ((أنَّه لم يبق مع النَّبيِّ صلعم غير طلحة وسعدٍ)) فلهذا حدَّث طلحة عن مشاهده يوم أحدِ ليُقتَدى به ويرغِّب النَّاس في مثل فعله، والله أعلم.