شرح الجامع الصحيح لابن بطال

[أبواب صدقة الفطر]

          ░░24م▒▒ باب: فرض صدقة الفطر.
          وَرَأَى أَبُو الْعَالِيَةِ وَعَطَاءٌ وَابْنُ سِيرِينَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ فَرِيضَةً(1).
          فيه: ابْن عُمَرَ أنَّه قَالَ: (فَرَضَ رَسُولُ اللهِ صلعم زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ على الْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَالذَّكَرِ وَالأنْثَى وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلى الصَّلاةِ). [خ¦1503]
          قال المؤلِّف(2): ذهب جماعة الفقهاء(3) إلى أنَّ صدقة الفطر فريضة فرضها رسول الله صلعم، وقال مالك: هي داخلة في جملة قوله تعالى: {وَآتُوا الزَّكَاةَ} واختلف أصحابه في وجوبها، فقال بعضهم: هي فريضة، وقال بعضهم: هي سنَّة مؤكَّدة، وذكر(4) ابن الموَّاز عن(5) أشهب، قال: لا أرى أن تُبدَّأ الزَّكاة على العتق المعيَّن ولا تُبدَّأ إلَّا على الوصايا، وتُبدَّأ على زكاة الفطر؛ لأنَّها فرضٌ وزكاة الفطر سنَّة، وزكاة الفطر بعد زكاة الأموال، وقال أبو حنيفة: هي واجبة وليست بفريضة، وكلُّ فرض عنده واجبٌ وليس كلُّ واجب فرضًا، بل الفرض آكد من الواجب.
          قال(6) بعض أهل العراق: هي منسوخةٌ بالزَّكاة، ورُوي عن قيس بن سعد بن عُبَاْدَة أنَّه(7) قال: ((كَانَ رسولُ اللهِ صلعم يَأمُرُ بِهَا قَبلَ نُزولِ الزَّكاةِ، فَلَمَّا نَزَلَت آيَةُ الزَّكاةِ لَم يَأمُر بِهَا ولَم يَنهَ عَنهَا))، ونَحنُ نَفعَلُهُ، وتأوَّل(8) قول ابن عمر: (فَرَضَ رسولُ الله صلعم) بمعنى أنَّه(9) قدَّر ذلك(10) كما يُقال: فرض القاضي النَّفقة، أي قدَّرها، قالوا: ألا ترى قوله تعالى في آية الصَّدقات بعد ذكر(11) الأصناف الثَّمانية: {فَرِيضَةً مِنَ اللهِ}[التوبة:60]قالوا(12): وأهل المدينة وأهل العراق متَّفقون على أنَّ قوله تعالى: {فَرِيضَةً مِنَ اللهِ} لا يُراد بها(13) الفرض، فكذلك قول ابن عمر.
          قال عبد الواحد(14): وممَّا يدلُّ(15) أنَّها ليست بفريضة إجماع الأمَّة على أنَّ الرَّجل يلزمه الأداء(16) عن زوجته وخادمه وولده(17) الفقراء، وقد أجمعوا(18) لا زكاة على الفقراء، فدلَّ هذا أنَّ صدقة الفطر خارجة عن باب الفرض، ومن جعلها خارجة من آية الزَّكاة يَرُدُّ قَوْلَهُ حديثُه(19) ◙: ((أُمِرتُ أنْ آخُذَ الصَّدقَةَ مِنْ أغنِيَائِكُم))، وصدقة الفطر تجب على غير الأغنياء.
          واحتجَّ من قال إنَّها(20) فريضة بظاهر قول ابن عمر: (فَرَضَ رسولُ الله صلعم) واسم الفرض لا يقع إلَّا على الواجب، ولا يجوز للرَّاوي أن يعبِّر بالفرض عن السُّنَّة ويترك العبارة التي تختصُّ بالسُّنَّة مع علمه بالفرق بينهما إلَّا والمراد اللُّزوم.
          واختلف العلماء في وجوبها على الفقير، واختلف في ذلك قول مالك(21)، فقال في «المدوَّنة»: تجب زكاة الفطر على من يحلُّ له أخذها، وقد قال قبل ذلك: من له أن يأخذها(22) فلا تجب عليه، وهو قول ابن الماجِشون وأبي حنيفة، وروى عنه أشهب: من لم يكن له شيء فلا شيء عليه، وروى عنه ابن وهب: إن وجد من يسلفه فليستسلف(23)، قال ابن الموَّاز: ليس عليه أن يستسلف(24) وليس هو ممَّن تجب(25) عليه، وهو قول ابن حبيبٍ.
          وفي «العُتْبِيَّة» عن مالك إذا أدَّى(26) الفقير زكاة الفطر فلا أرى أن يأخذ منها، ثمَّ رجع فأجازه إن كان محتاجًا، وقال الشَّافعيُّ: إذا فضل عن قوت المرء وقوت عياله مقدار زكاة الفطر، فعليه أن يؤدِّي، وهو قول أحمد، وقال أبو حنيفة وأصحابه: ليس على من تحلُّ له صدقة الفطر صدقة الفطر حتَّى(27) يملك مائتي درهم، واحتجَّ بقوله ◙: ((أُمِرتُ أنْ آخُذَ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغنِيَائِكُم وأَرُدَّها فِي فُقَرَائِكُم))، وهذا فقير فوجب أن تُصرف إليه الزَّكاة ولا(28) تُؤخذ منه، وقال ◙: ((خَيرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَن ظَهرِ غِنًى))، فثبت بهذا نفيها عن الفقير.
          قال ابن القصَّار: وحجَّة القول الأوَّل قول ابن عمر: ((فَرَضَ رَسُول الله صلعم صَدَقَةَ الفِطرِ عَلى كُلِّ حُرٍّ وَعَبدٍ، وذَكَرٍ وأُنثَى(29) مِنَ المُسلِمِينَ))، ولم يخصَّ ممَّن(30) له نصاب ممَّن لا نصاب له فهو عامٌّ. وقال ◙: ((أَغنُوهُم عن طَوافِ هَذا اليَومِ))، والمخاطب غنيٌّ بقوت يومه، ولم يفرِّق بين أن يكون المأمور غنيًّا أو فقيرًا، وأيضًا فإنَّ زكاة الفطر حقٌّ في المال لا تزداد بزيادة المال، ولا(31) تفتقر إلى نصابٍ، أصله الكفَّارة.


[1] زاد في (م): ((فريضة)).
[2] قوله: ((قال المؤلف)) ليس في (م).
[3] في (م): ((العلماء)).
[4] في (م): ((ذكر)).
[5] في (م): ((قال)).
[6] في (م): ((وقال)).
[7] قوله: ((أنه)) ليس في (م).
[8] في (م): ((وتأولوا)).
[9] قوله: ((أنه)) ليس في (م).
[10] قوله: ((ذلك)) ليس في (م).
[11] في (م): ((ذكره)).
[12] قوله: ((قالوا)) ليس في (م).
[13] في (م): ((به)).
[14] قوله: ((قال عبد الواحد)) ليس في (م).
[15] زاد في (م): ((على)).
[16] في (م): ((يلزمه صدقة الفطر)).
[17] في (م): ((وولده وخادمه)).
[18] زاد في (م): ((أن)).
[19] قوله: ((حديثه)) ليس في (م).
[20] في (م): ((من جعلها)).
[21] في (م): ((واختلف قول مالك في ذلك)).
[22] في (م): ((من يحل له أخذها)).
[23] في (م): ((فليستلف)).
[24] في (م): ((يستلف)).
[25] قوله: ((تجب)) ليس واضحًا في (ز) ولعلها: ((هي)).
[26] في (م): ((أدى)) غير واضحة.
[27] في (م): ((تحل له صدقة الفطر إخراجها حتى)).
[28] في (م): ((لا)).
[29] في (م): ((ذكر أو أثنى)). وتحتمل: ((ذكرًا وأنثى)).
[30] في (م): ((من)).
[31] في (م): ((بزيادته فلا)).