شرح الجامع الصحيح لابن بطال

[كتاب الزكاة]

          ░░24▒▒ كِتَابُ الزَّكاة
          ░1▒ وُجُوبُ الزَّكَاةِ(1).
          وَقَوْلُ اللهِ تعالى: {وأَقِيمُوا(2) الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}(3)[البقرة:43].
          وقال ابن عبَّاسٍ: حدَّثني أبو سفيان(4) فذكرَ(5) حديثَ النَّبيِّ صلعم قال: (يَأْمُرُ(6) بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ والصِّلَةِ والعَفَافِ).
          فيه: ابْن عَبَّاسٍ: (أَنَّ النَّبيَّ صلعم بَعَثَ مُعَاذًا إلى الْيَمَنِ، فَقَالَ: ادْعُهُمْ(7) إلى شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ قَدِ(8) افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ في كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ(9)، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ قَدِ(10) افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً في أَمْوَالِهِمْ، تُؤْخَذُ(11) مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ، وَتُرَدُّ في فُقَرَائِهِمْ). [خ¦1395]
          وفيه أَبو أَيُّوبَ: (أَنَّ رَجلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صلعم: أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ؟ قَالَ: مَا لَهُ مَا لَهُ، وَقَالَ النَّبِيُّ صلعم: أَرَبٌ مَا لَهُ(12)، تَعْبُدُ اللهَ لا(13) تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلاةَ وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ وَتَصِلُ الرَّحِمَ). [خ¦1396]
          وفيه أَبو هُرَيْرَةَ: (أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى النَّبيَّ صلعم فَقَالَ: دُلَّنِي على عَمَلٍ إِذَا عَمِلْتُهُ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ، قَالَ: تَعْبُدُ اللهَ وَلا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلاةَ الْمَكْتُوبَةَ، وَتُؤَدِّي الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، قَالَ: وَالَّذي نَفْسِي بِيَدِهِ لا أَزِيدُ على هَذَا، فَلَمَّا وَلَّى(14) قَالَ النَّبيُّ صلعم: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إلى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَلْيَنْظُرْ إلى هَذَا). [خ¦1397]
          وفيه: ابْن عَبَّاسٍ: (قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ على النَّبيِّ صلعم، فَقَالُوا: مُرْنَا بِشَيْءٍ نَأْخُذُهُ عَنْكَ، وَنَدْعُو إِلَيْهِ مَنْ وَرَاءَنَا، قَالَ: آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ: الإيمَانِ بِاللهِ، وَشَهَادَةِ(15) أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ) الحديثَ. [خ¦1398]
          وفيه: أَبو هُرَيْرَةَ: (لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صلعم وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ، وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنَ الْعَرَبِ، فَقَالَ(16) عُمَرُ: كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم: أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لا إِلَهَ إِلا اللهُ، فَمَنْ قَالَهَا فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلا بِحَقِّهِ، وَحِسَابُهُ على اللهِ؟ فَقَالَ: وَاللهِ لأقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ، وَاللهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا(17) كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إلى رَسُولِ اللهِ صلعم، لَقَاتَلْتُهُمْ على مَنْعِهَا. [خ¦1399] [خ¦1400]
          قَالَ عُمَرُ: فَوَاللهِ مَا هُوَ إِلا أَنْ قَدْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَ(18) أبي بَكْرٍ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ).
          قال المؤلِّف: فرضَ الله تعالى الزَّكاة، بقوله: {أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}[البقرة:43]وهذه الآية تشهد(19) لصحَّة هذه الأحاديث.
          والزَّكاة الرُّكن الثَّالث من أركان الإسلام الخمسة، قال ╕: ((بُنِي الإِسْلامُ عَلى خَمْسٍ: شَهادَةِ أَنْ لا إِلهَ إلَّا اللهُ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وإِيْتَاءِ الزَّكاةِ وَصَوْمِ شَهْرِ(20) رَمَضَانَ وَحَجِّ الْبَيْتِ))، فهذه دعائم الإسلام وقواعده، لا(21) يتمُّ إسلام من جحد واحدةً منهم(22) ألا ترى فهمَ أبي بكر الصِّدِّيق ☺، لهذا المعنى وقولِه: ((وَاللهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فرَّقَ بَينَ الصَّلاةِ والزَّكاةِ، فَإِنَّ الزَّكاةَ حَقُّ المالِ))، وأجمع العلماء على أنَّ مانع(23) الزَّكاة تُؤخذ من ماله قهرًا، وإن نصبَ الحرب دونها قُوتل اقتداءً بأبي بكر الصِّدِّيق(24) ☺، في أهل الرِّدَّة.
          وكانت الرِّدَّة على ثلاثة أنواع: قومٌ كفروا وعادوا إلى ما كانوا عليه من عبادةِ الأوثانِ، وقومٌ آمنوا بمسيلمة وهم أهلُ اليمامةِ، وطائفةٌ منعوا(25) الزَّكاة وقالوا(26): ما رجعنا عن ديننا، ولكن شحُّنا(27) على أموالِنا، فرأى أبو بكرٍ ☺ قتالَ الجميعِ، ووافقه على ذلك جميعُ(28) الصَّحابةِ بعد أن خالفه عمرُ في ذلكَ، ثمَّ بانَ له صوابُ قوله فرجعَ إليه، فسبَى أبو بكرٍ ☺ نساءَهم وأموالهم اجتهادًا منه، فلمَّا ولِّي عمرَ ☺ بعدَه، رأى أن يردَّ ذراريَّهم(29) ونساءهم إلى عشائرهم وفداهم، وأطلق سبيلهم، وذلك أيضًا بمحضر الصَّحابة من غير نكير، والَّذي ردَّ(30) عمر لم يأب أحدٌ منهم الإسلام، وعذر أبا بكر في اجتهاده، وهذا الأصل(31) في أنَّ كلَّ مجتهدٍ مصيبٌ.
          وقال بعض العلماء: حكم أبو بكر في أهل الرِّدَّة بالسَّبي وأخذ المال وجعلهم كالنَّاقضين، وحكَم فيهم عمر بحكم المرتدِّين، فردَّ النِّساء والصِّغار من الرِّقِّ إلى عشائرهم كذريَّة من ارتدَّ فله حكم الإسلام إلَّا من تمادى بعد بلوغه، والَّذين ردَّهم عمر لم يأب أحد منهم الإسلام، و على هذا الفقهاء، وبه قال ربيعة وابن الماجِشُون وابن القاسم، وذهب أَصبَغُ بن الفرج إلى فعل أبي بكرٍ ☺، أنَّهم(32) كالنَّاقضين، وتأويل أبي بكرٍ مستنبطٌ من قوله تعالى، / في الكفَّار: {فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ}[التوبة:5]فجعل من لم يلتزم ذلك كلَّه كافرًا يحلُّ دمه وأهلَه ومَالَه(33)، ولذلك قال: (وَاللهِ لأُقَاتِلَنَّ مَنْ فرَّقَ بينَ الصَّلاةِ والزَّكاةِ).
          وقال أبو جعفر الدَّاودي: قالَ أبو هُريرة: واللهِ الَّذي لا إله إلَّا هو، لولا أبو بكرٍ ما عُبِدَ اللهُ، قيلَ لَه: اتَّق الله يا أبا هريرة، فكرَّر اليمين، وقالَ: لمَّا توفِّي رسولُ الله ارتدَّتِ العربُ، وكثُرت أطماع النَّاس في المدينة وأرادته(34) الصَّحابة على إمساكه بجيش أسامَة، والكفِّ عمَّن منعَ الزَّكاة، فقالَ: والله لو لم يتبعني أحدٌ لجاهدتهم(35) بنفسي حتَّى يُعزَّ الله دينَه أو تنفردَ سالفتي. فاشتدَّ عزم الصَّحابة حينئذٍ، وقمع الله أهلَ المطامعِ(36) عمَّا أرادوه.
          وهذا(37) كلُّه يَشْهَدُ لتقدِّم أبي(38) بكر ☺(39) في العلم ورسوخه فيه، وأنَّ مكانه من العلم ونصرة(40) الإسلامِ لا يوازيه فيه(41) أحدٌ، ألا ترى رجوع جماعة الصَّحابة إلى رأيه في قتال أهل الرِّدَّة، ولا يجوز عليهم اتَّباعه تقليدًا له دون تبيين الحقِّ لهم، وذلك أنَّه احتجَّ عليهم أنَّ الزَّكاة قرينة الصَّلاة، وأنَّها من(42) حقِّ المال، وأنَّ من جحدَ فريضةً فقد كفر ولم يعصم دمه ولا ماله، وأنَّه لا يعصم ذلك إلَّا بالوفاءِ بشرائعِ الإسلامِ، ولذلكَ قال عُمَرُ ☺: فوالله مَا هو إلَّا أن رأيت أنَّ الله شرحَ صدرَ أبي بكر للقتال فعرفت أنَّه الحقُّ(43)، بما بيَّنه أبو بكر من استدلاله على ذلك، فبانَ لعمرٍ وللجماعةِ الحقُّ في قوله، فلذلك اتَّبعوه.
          وأمَّا قوله: (لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا) فإنَّما خرج كلامه على التَّقليلِ والإعياءِ لأنَّ العناقَ عند أهل اللُّغة: الجَديَّةُ إذا قويت على الرَّعي قبل أن يأتي عليها حولٌ، ولا تُؤخَذُ(44) في الصَّدقة عند أكثر أهلِ العلم(45)، ولو كانت عناقًا كلَّها. ومن روى عقالًا فاختلف أهل اللُّغة(46) في تأويله، فقال أبو عُبيد: العِقَالُ صدقة عامٍ.
          وقال ابن الكلبيِّ: كان معاوية قد بعث عَمْرو بن عُتْبَة ابن أخيه مصدِّقًا، فجارَ عليهم، فقال:
سَعَى عِقَالًا فَلَم يَتْرُك لَنا سَبَدًا                      فَكَيفَ لَو قَدْ سَعَى عَمْرُو عِقَالَينِ
          قالَ أبو عُبيد: فهذا كلام العرب، وقد قيل: هُوَ عقال النَّاقة، وكان الواقديُّ يزعمُ أنَّ هذا رأي مالك بن أنس(47) وابن أبي ذئبٍ.
          قالَ أبو عبيدٍ: والأوَّل أشبَه عِنْدَنا(48) بالمعنى، والشَّواهدُ في كلام العرب عليه أكثر(49)، وقد روى ابن وهب عن مالك أنَّ العقالَ الفريضةَ من الإبلِ.
          قال أبو سليمان(50) الخطَّابيُّ: قد(51) خُولف أبو عبيد في هذا التَّفسير. وذهبَ غيرُ واحدٍ من العلماءِ إلى تفسيرِه على غير هذا الوجه(52)، أنكر العبديُّ ما ذهب إليه أبو عبيد، وقالَ: إنَّما يُضربُ المثلُ في هذا بالأقلِّ فما فوقه، كما يقول الرَّجل للرَّجل إذا منعه الكثير من المال: لا أعطيك ولا درهمًا منه. وليس بالسَّائغ أن يقول: لا أعطيك ولا مائة ألفٍ. وقال: ليس بسائغ(53) في كلامهم أنَّ العقالَ صدقةُ عامٍ. والبيت الَّذي احتجَّ به ليس بالبيت الَّذي يُحتج به، قال: وأيضًا فإنَّ العرب لم تقل له: لا أعطيك إلَّا عامًا واحدًا. وإنَّما منعوا الصَّدقات على الأبدِ، فكيف يقول العقال الذي منعوه: صدقة عام، وهم يتأوَّلون أنَّهم كانوا مأمورين بأدائها إلى النَّبيِّ صلعم دون القائم بعده؟!. وسمعت ابن عائشة يقولُ(54): العِقالُ الحبلُ. وذلك أنَّ الصَّدقة كانت إذا هُبط بها إلى رسول الله صلعم عُقِلَ بكُلِّ عقال بعيران(55)، ولذلك سُمِّي الحبلُ الَّذي يُقرنُ به بين البعير القرَن، بفتح الرَّاء، والقرن أيضًا البعير المقرون إلى آخر(56).
          وفيه قول آخر قاله النَّضر بن شُمَيل، قال: العربُ تقولُ: أفرضت إبلكم إذا وجبت فيها الفريضة وأشنقت، والشَّنَق(57) أن يكون في خمس من الإبل شاةٌ، وفي عشرٍ شاتان إلى خمسٍ(58) وعشرين، فإذا وجبت فيها ابنة مخاض فهي العقالُ. وهذا يشبه رواية ابن وهب. وفيه قول آخر قاله أبو(59) سعيد الضَّرير، قال: العقال: كلُّ ما أُخذ من الأصناف من الإبل والبقر والغنم والثِّمار التي يُؤخذ منها العشر ونصف العُشر، فهذا كلُّه عقال في صنفه، وسُمِّي عقالًا لأنَّ المؤدَّى إليه قد عقل عنه طلبة السُّلطان وتَبِعَته، وعقل عنه الإثم الَّذي يطلبه الله به إذا منع(60) الزَّكاة، ولذلك سُمِّيت العاقلة التي تؤدِّي دية الخطأ لأنَّها إذا فعلت ذلك عقلت عن ولِّيها تَبِعَة أولياء المقتول.
          وفيه / قولٌ آخر قالَه المبرِّدُ(61): إذا أخذ المصدِّق من الصَّدقةِ ما فيها، ولم يأخذْ ثمنُها قالُوا(62): أخذ عقالًا، فإذا أخذ الثَّمن، قالوا: أخذ نقدًا. وأنشد:
أَتَانا أَبُو الخَطَّاب يَضربُ طَبْلَهُ(63)                      فردَّ وَلم يَأخُذ عِقالًا ولا نَقدًا
          وفي أكثر الرِّواياتِ: ((لَوْ(64) مَنَعُوني عِناقًا)) وهو مُشاكِلٌ لما ذهبَ إليه العبديُّ في معنى العقال، وفي روايةٍ أخرى ذكرَها ابن الأعرابيِّ: ((واللهِ لَو مَنعُوني جَدْيًا أَذْوَطَ(65)))، قال: والذَّوِط الصَّغير الفكِّ والذَّقن.
          وأمَّا قوله ◙ لمعاذ(66): (ادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ، فَإِنْ هُمْ(67) أَطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ قَدِ افْتَرَضَ(68) الصلاة والزكاة) إلى آخر الحديث، فإنَّما(69) أمره أن يدعو إلى الشَّهادة من لم يكن أسلم من أهل الكتاب، وقد جاء هذا بيِّنًا في حديث معاذ في باب لا تؤخذ كرائم أموال النَّاس بعد هذا في الصَّدقة(70): ((أنَّ النَّبيَّ ◙ قال لمُعاذٍ: إِنَّكَ تَأْتي أَهلَ كِتابٍ فَليَكُنْ(71) أَوَّلَ مَا تَدعُوهُم إِلَيهِ عِبادَةَ اللهِ، فَإِذا(72) عَرَفُوا اللهَ فَأَخبِرهُم أنَّ اللهَ فرَضَ عَلَيهِم خَمسَ صَلَوَاتٍ))، وقد تقدَّم معنى قول الرَّجل: (وَاللهِ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا) في كتاب الإيمان فأغنى عن إعادته، [خ¦46] وقد(73) تقدَّم فيه معنى حديث وفد عبد القيس أيضًا. [خ¦53]
          وقولُه ◙(74) في حديث أبي أيُّوب: (أرِبَ مَا لهُ)(75) بكسر الرَّاء وفتح الباء، ويُروى: ((أرَبٌ(76) مَا لَه)) بفتح الرَّاء وضمِّ الباء وتنوينها، وفسَّر ابن قتيبة الرِّواية بكسر الرَّاء وفتح الباء فقال: هو من الآراب مأخوذٌ، والآرابُ الأعضاء، واحدها إِرْب، ومنه قيل: قطعته إربًا إربًا، أي عضوًا عضوًا(77)، ومعنى قولِهِ: (أَرِب مَا لَهُ) أي سقطت أعضاؤه وأُصيبت، وهي كلمةٌ مقولةٌ لا يُراد بها إذا قيلت(78) وقوع الأمر، كقولهم(79): عقرى حلقى، أي: عقرَها الله(80)، أي أصابها بوجعٍ في حلقها، وكقولهم: قاتله الله، وتربت يَداك، وأشبَاه هذا كثير. ومن رواه ((أرَبٌ مَا لَهُ)) فمعناه نحو معنى(81) قوله في حديث سعد بن الأخرم(82) حين أخذ بزمام ناقته ◙ بعرفة، وهو يريد أن يسأله، فصاح به النَّاس(83) من أصحابه، فقال: ((دَعُوهُ، فَأَرَبٌ ما جاءَ بِهِ))، فَقَالَ(84): يا رَسُولَ اللهِ، دُلَّني على عَمَلٍ يُقَرِّبُنِي مِنَ الجَنَّةِ وَيُبَاعِدُنِي مِنَ النَّارِ، فقال: ((إنِ كُنْتَ أَوْجَزْتَ فِي الخُطْبَةِ فَقَدْ أَعْظَمْتَ وأَطْوَلْتَ، فقالَ: تَعبُدُ اللهَ ولَا تُشرِكُ بِهِ شَيئًا، وَتُقِيمُ الصَّلاةَ وَتُؤتِي الزَّكاةَ وتَصومُ رَمَضانَ، وتُحِبُّ للنَّاسِ مَا تُحِبُّ أنٍ يُؤتى(85) إلَيكَ، ومَا كَرِهتَ أنْ يُؤتى إلَيكَ فدَعِ النَّاسَ مِنهُ، خَلِّ(86) زِمامَ النَّاقةِ)). رواه الأعمش عن عمرو(87)، عن المغيرة بن سعد بن الأخرم، عن أبيه، أو عن عمِّه، عن النَّبيِّ ◙، ويمكن أن تكون هذه القصَّة هي الَّتي روى أبو أيُّوب في حديثه لأنَّه ◙ لم يكرِّر قوله: ((مَا لَهُ مَا لَهُ)) إلَّا أنَّه(88) أنكر عليه حبسه زمام ناقته أو غير ذلك ممَّا لم يكن له فعله.
          وفسَّر الطَّبريُّ قوله: (أَرَبٌ(89) مَا جَاءَ بِه)، وقال(90): معناه فحاجَةٌ ما جاءت به، والأربُ الحاجةُ، و (ما) الَّتي في قوله: (مَا جَاءَ بِهِ) صلة في الكلام، كما قال تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ}[النساء:155]، والمعنى: فأرب جاء(91) به. قال المؤلِّف: وعلى هذا التقدير تكون (ما) الَّتي في حديث أبي أيُّوب في قوله: (أرَبٌ مَا لَه) زائدة، كأنَّه قال: أرب له، هذا(92) أحسن من قول ابن قتيبة.
          قال عبد الواحد: وقولُه في حديث ابن أخرم(93): (إْن كنتَ أوجزتَ في الخطبةِ) ولم تكن هناك خطبةٌ، فإنَّ العرب تسمِّي كلَّ كلام وسؤال خطبةً لأنَّه مشتقٌّ من الخطاب(94).
          قال المُهَلَّب: وقوله في حديث أبي أيُّوب: (وَتَصلُ الرَّحِمَ) بعد الصَّلاة والزَّكاة يدلُّ أنَّ السَّائل كان محتاجًا إلى التَّنبيه على ذلك لأنَّه ◙ كان يقدِّم تعريف أمَّته بما هم إليه أحوجُ.
          


[1] قوله: ((وجوب الزكاة)) ليس في (م).
[2] في (ز) و(م) و(ص): ((أقيموا)) والمثبت رسم المصحف.
[3] العبارة في (م): ((╖ وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم. وجوب الزكاة وقول الله ╡، أقيموا الصلاة آتوا الزكاة))، في (ص): ╖ وبه توفيقي وعليه أتوكل كتاب الزكاة، وجوب الزكاة، وقول الله تعالى وأقيموا الصلاة)).
[4] زاد في (م): ((بن حرب)).
[5] في (م) صورتها: ((يذكر)).
[6] في (م): ((يأمرنا)).
[7] في (م): ((ادعوهم)).
[8] قوله: ((قد)) ليس في (م).
[9] في (م): ((لك)).
[10] قوله: ((قد)) ليس في (م).
[11] في (م): ((عليهم زكاة تؤخذ)). وكتبه فوقها: ((مذهبنا عكسه)).
[12] في (م): ((ما لك)).
[13] في (م): ((ولا)).
[14] في (م): ((ولَّى الرجل)).
[15] في (م): ((شهادة)).
[16] في (م): ((قال)).
[17] في (م): ((عقالًا)).
[18] في (م): ((ما هو إلا أن رأيت أن الله قد شرح صدر)).
[19] في (م): ((شاهدة)).
[20] قوله: ((شهر)) ليس في (م).
[21] في (م): ((ولا)).
[22] في (م): ((منها)).
[23] في (م): ((وأجمع العلماء أن جاحد الزكاة)).
[24] قوله: ((الصديق)) ليس في (م).
[25] في (م): ((منعت)).
[26] في (م): ((وقالت)).
[27] في (م): ((شححنا)).
[28] في (م): ((جماعة)).
[29] في (م): ((ذريتهم)).
[30] زاد في (م): ((منهم)).
[31] في (م): ((أصل)).
[32] زاد في (م): ((كانوا)).
[33] في (م): ((وماله وأهله)).
[34] في (م) صورتها: ((وأدارة))، صورتها في (ص): ((وإدارته)).
[35] في (م): ((لجاهدتم)).
[36] في (م): ((التطاول)).
[37] في (م): ((قال المؤلف: وهذا)).
[38] في (ص): ((يشهد لأبي بكر)).
[39] زاد في (م): ((الصديق)).
[40] في (م): ((وإن مكانه من نصر)).
[41] في (م): ((فيها)).
[42] قوله: ((من)) ليس في (م).
[43] زاد في (م): ((أي: عرفت أنه على الحق)).
[44] في (ص): ((ولا يؤخذ)).
[45] في (م): ((عند أكثر العلماء)).
[46] في (ص): ((العلم)).
[47] قوله: ((ابن أنس)) ليس في (م).
[48] في (م): ((عندي)).
[49] في (م): ((والشواهد عليه في كلام العرب أكثر)).
[50] قوله: ((أبو سليمان)) ليس في (م).
[51] في (م): ((وقد)).
[52] في (م): ((العلماء في تفسيره إلى غير وجه)).
[53] في (م): ((بسائر)).
[54] قوله: ((قال: وأيضًا فإن العرب لم تقل له:...... وسمعت ابن عائشة يقول)) ليس في (م). وبدله قوله: (وقال ابن عائشة).
[55] في (ص): ((بعيرين)).
[56] في (م): ((المقرون وآخر)).
[57] صورتها في (ز): ((وأنشقت، والنشق))، غير واضحة في (ص).
[58] في (م): ((إلى أن يبلغ خمسًا)).
[59] في (م) صورتها: ((ابن)).
[60] في (م): ((امتنع)).
[61] زاد في (م): ((قال)).
[62] في (م): ((قيل)).
[63] في (م): ((ظله)).
[64] في (م): ((إن)).
[65] زاد في (م): ((لقاتلتهم عليه)).
[66] في (م): ((في حديث معاذ)).
[67] قوله: ((هم)) ليس في (ص).
[68] في (ص): ((أنَّ الله فرض عليهم)).
[69] في (م): ((عليهم الصلاة، وإنما)).
[70] في (م): ((لا تؤخذ كرائم الناس في الصدقة بعد هذا)).
[71] زاد في (ص): ((عليك)).
[72] في (م): ((فإن)).
[73] في (م): ((وكذلك)).
[74] قوله: ((◙)) ليس في (ص).
[75] زاد في (م): ((فإنه يروى)).
[76] في (م): ((فأرب)).
[77] زاد في (م): ((قال)).
[78] قوله: ((إذا قيلت)) ليس في (م).
[79] في (م): ((كما يقال)).
[80] زاد في (م): ((وحلقها)).
[81] قوله: ((معنى)) ليس في (ص).
[82] في (ص): صورتها ((الأحمر)).
[83] في (م): ((ناس)).
[84] في (م): ((فقلت)).
[85] في (م): ((يأتوا)) في الموضعين.
[86] زاد في (م): ((عن)).
[87] كذا في (ز) والنسخة المصرية، وفي (م): ((عمر))، وفي المطبوع: ((شمر)) وذكر في حاشية المطبوع أن ما في النسخ: ((عمرو)) خطأ، والصواب ((شمر))، والذي في «مسند أحمد» كالمثبت، وهو الصواب، وفي (ص): كالمثبت في المتن.
[88] في (م): ((لأنه)).
[89] في (م): ((فأرب)).
[90] في (م): ((قال)).
[91] في (ز) و(ص): ((أرب ما جاء)) والمثبت من (م).
[92] في (م): ((وهذا)).
[93] في (م): ((الأخرم)).
[94] قوله: ((قال عبد الواحد: وقوله.... لأنه مشتق من الخطاب)) أتى في (م) بعد قوله الآتي: ((لأنه ◙ كان يقدم تعريف أمته بما هم إليه أحوج)).