شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب ما قيل في لواء النبي صلى الله عليه وسلم

          ░121▒ باب: مَا قِيلَ في لِوَاءِ النَّبيِّ ◙
          فيه: قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ وَكَانَ صَاحِبَ لِوَاءِ النَّبيِّ ◙: أَنَّهُ أَرَادَ الْحَجَّ / فَرَجَّلَ. [خ¦2974]
          وفيه: سَلَمَةُ: (كَانَ عَلِيٌّ تَخَلَّفَ عَنِ النَّبيِّ صلعم في خَيْبَرَ، وَكَانَ بِهِ رَمَدٌ، فَلَحِقَ بالنَّبيِّ ◙، فَلَمَّا كَانَ مَسَاءُ اللَّيْلَةِ التي فَتَحَهَا في صَبَاحِهَا، قَالَ النَّبيُّ ◙: لأعْطِيَنَّ الرَّايَةَ _وْ لَيَأْخُذَنَّ_ غَدًا رَجُلٌ يُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ يَفْتَحُ اللهُ على يَدَيْهِ)، فَإِذَا نَحْنُ بِعَلِيٍّ، وَمَا نَرْجُوهُ، فَقَالُوا: هَذَا عَلِيٌّ، فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللهِ، فَفَتَحَ اللهُ على يَدَيْهِ. [خ¦2975]
          وفيه: نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ: أنَّ الْعَبَّاسَ قَالَ لِلْزُّبَيْرِ: (هَاهُنَا أَمَرَكَ النَّبيُّ ◙ أَنْ تَرْكُزَ الرَّايَةَ). [خ¦2976]
          قال المُهَلَّب: فيه أنَّ لواء الإمام ينبغي أن يكون له صاحبٌ معلومٌ، وإن كان من الأنصار فهو أولى؛ للاستنان بالنَّبيِّ صلعم لأنَّ قيس بن سعدٍ كان من الأنصار، وهم الذين كانوا عاقدوا الرَّسول صلعم أن يقاتلوا النَّاس كافَّةً حتَّى يقولوا: لا إله إلَّا الله. فهم أشدُّ النَّاس في قتال العدوِّ بعد من هاجر مع النَّبيِّ صلعم، وبالأنصار نادى الرَّسول صلعم يوم حنينٍ أوَّل من نادى.
          وفي حديث عليٍّ أيضًا أنَّ الرَّاية لا يجب أن يحملها إلَّا من ولَّاه الإمام إيَّاها ولا تكون فيمن أخذها إلَّا بولايةٍ.
          وقال الطَّبريُّ: فيه الدَّلالة البيِّنة على إمام المسلمين إذا وجد جيشًا أو سريَّة أن يؤمِّر عليهم أميرًا موثوقًا بنيَّته وبصيرته في قتالهم ممَّن له بأسٌ وعنده معرفة سياسة الجيش وتدبير الحرب، وذلك أنَّه ◙ وجَّه إلى خيبر من أفضل أصحابه وأنفذهم بصيرةً وغناءً وأنكاهم للعدوِّ، وجعل له لواءً ورايةً يجتمع جيشه تحتها فيثبتوا لثباتها عند اللِّقاء ويرجعوا لرجعتها.
          وقوله: (لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ) فعرَّفها بالألف واللَّام ليدلَّ(1) أنَّها كانت من سنَّته ◙ في حروبه فينبغي أن يسار بسيرته في ذلك. وروي أنَّ لواء النَّبيِّ صلعم كان أبيض ورايته سوداء من مِرْطٍ مُرَجَّلٍ لعائشة.
          وقال جابرٌ: دخل النَّبيُّ صلعم مكَّة ولواؤه أبيض. وقال مجاهدٌ: كان لرسول الله لواءٌ أغبر. وروي أنَّ راية عليٍّ يوم صفِّين كانت حمراء مكتوبٌ فيها: محمَّد رسول الله، وكانت له رايةٌ سوداء.
          قال المُهَلَّب: وفي حديث الزُّبير أنَّ الرَّاية لا يركزها إلَّا بإذن الإمام؛ لأنَّها علامةٌ على الإمام ومكانه؛ فلا ينبغي بأن يُتصَرَّف فيها إلَّا بأمره، وممَّا يدلُّ أنَّها ولايةٌ قوله ◙: ((أخذ الرَّاية زيد فأصيب، ثمَّ أخذها خالدٌ من غير إمرةٍ ففتح له)). فهذا نصٌّ في ولايتها.
          وقوله: (أَرادَ الحَجَّ فَرَجَّلَ). يريد أنَّه رجَّل شعره؛ لطول بقائه شعثًا، والله أعلم. قال الطَّبريُّ: وفي حديث عليٍّ الخبر عن بعض أعلام النُّبوَّة، وذلك خبره عن الغيب الذي لا يكون مثله إلَّا بوحي من الله، وهو قوله: (يَفْتَحُ اللهُ عَلَى يَدَيهِ).


[1] غير واضحة في (ص) وفي المطبوع: ((يدل)) والمثبت أنسب للسياق.