شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب فضل قول الله تعالى: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله}

          ░19▒ باب فَضْلِ قَوْلِ اللهِ: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا في سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا} الآيات[آل عِمْرَان:169]
          فيه أَنَسٌ: (دَعَا النَّبيُّ صلعم على الَّذِينَ قَتَلُوا أَصْحَابَ بِئْرِ مَعُونَةَ ثَلاثِينَ غَدَاةً، على رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ؛ عَصَتِ(1) اللهَ وَرَسُولَهُ، قَالَ أَنَسٌ: أُنْزِلَ في الَّذِينَ قُتِلُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ قُرْآنٌ قَرَأْنَاهُ، ثُمَّ نُسِخَ بَعْدُ: بَلِّغُوا قَوْمَنَا أَنْ قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا، وَرَضِينَا عَنْهُ. [خ¦2814]
          وفيه: جَابِرٌ، اصْطَبَحَ نَاسٌ الْخَمْرَ يَوْمَ أُحُدٍ، ثُمَّ قُتِلُوا شُهَدَاءَ. قِيلَ لِسُفْيَانَ: مِنْ آخِرِ ذَلِكَ الْيَوْم؟ قَالَ: لَيْسَ هَذَا فِيهِ).
          قال المُهَلَّب: في هذه الآية التي في التَّرجمة دليلٌ على أنَّ كلَّ مقتولٍ غدرًا أنَّه شهيدٌ؛ لأنَّ أصحاب بئر معونة قتلوا غدرًا بهم. وأمَّا حياة الشَّهيد فقد اختلف النَّاس في كيفيَّتها، وأولى ما قيل فيها _والله أعلم_ أن تكون الأرواح ترزق، وكذلك جاء الخبر أنَّه صلعم قال: ((إنَّما نسمة المؤمن طائرٌ تعلَّق في شجر الجنَّة)) يعني: يأكل منها، كذلك فسَّره أهل اللُّغة، وحديث _تعلَّق_ عامٌّ، وقد خصَّصه القرآن بأشياء باشتراط الشُّهداء.
          وقوله في حديث جابر: (ثمَّ قُتِلوا شُهَداء) يعني: والخمر في بطونهم؛ فإنَّما كان هذا قبل نزول تحريمها، فلم يمنعهم ما كان في علم الله من تحريمها، ولا كونها في بطونهم من حكم الشَّهادة، وفضلها؛ لأنَّ التَّحريم إنَّما يلزم بالنَّهي، وما كان قبل النَّهي فهو معفوٌّ عنه.


[1] قوله: ((عصت)) ليس في (ص) والمثبت من المطبوع والصحيح.