شرح الجامع الصحيح لابن بطال

كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم

          ♫
          ░░88▒▒كِتَاب اسْتِتَابَةِ الْمُرْتَدِّينَ وَالْمُعَانِدِينَ وَقِتَالِهِمْ.
          ░1▒ باب: إِثْمِ مَنْ أَشْرَكَ بِاللهِ وَعُقُوبَتِهِ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.
          قَالَ اللهُ ╡: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}[لقمان:13]، وَقَالَ تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ولتكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ}[الزمر:65].
          فيه عَبْدُ اللهِ، قَالَ: (لَمَّا نَزَلَتْ: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ}[الأنعام:82]شَقَّ ذَلِكَ على أَصْحَابِ رَسُولِ الله صلعم وَقَالُوا: أَيُّنَا لَمْ يَلْبِسْ إِيمَانَهُ بِظُلْمٍ! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم: إِنَّهُ لَيْسَ بِذَلكَ، أَلا تَسْمَعُونَ إلى قَوْلِ لُقْمَانَ: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ})[لقمان:13]. [خ¦6918]
          وفيه: أَبُو بَكْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبيُّ صلعم: (أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ: الإشْرَاكُ بِاللهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ) الحديث. [خ¦6919]
          وفيه ابْنُ مَسْعُودٍ: (قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنُؤَاخَذُ بِمَا عَمِلْنَا في الْجَاهِلِيَّةِ؟ قَالَ: مَنْ أَحْسَنَ في الإسْلامِ لَمْ يُؤَاخَذْ بِمَا عَمِلَ في الْجَاهِلِيَّةِ، وَمَنْ أَسَاءَ في الإسْلامِ أُخِذَ بما عمل في الأوَّلِ وَالآخِرِ). [خ¦6921]
          قال المؤلِّف: لا إثم أعظم من إثم الإشراك بالله، ولا عقوبة أشدُّ من عقوبته في الدنيا والآخرة؛ لأنَّ الخلود الأبديَّ في النار لا يكون في ذنبٍ غير الشرك بالله ╡، ولا يحبط الإيمان غيره؛ لقوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء}[النساء:48]وإنَّما سمَّى الله ╡ الشرك ظلمًا؛ لأنَّ الظلم عند العرب وضع الشيء في غير موضعه؛ لأنَّه كان يجب عليه الاعتراف بالعبوديَّة والإقرار بالربوبيَّة لله تعالى حين أخرجه من العدم إلى الوجود، وخلقه من قبل ولم يك شيئًا، ومنَّ عليه بالإسلام والصحَّة والرزق إلى سائر نعمه التي لا تحصى.
          وقد ذكر بعض المفسِّرين في قوله تعالى: {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً}[لقمان:20]أنَّ رجلًا من العباد عدَّ نفَسَه في اليوم والليلة، فوجد ذلك أربعة عشر ألف نفسٍ، فكم يرى لله تعالى على عباده من النعم في غير النفس ممَّا يعلم وممَّا لا يعلم، ولا يهتدى إليه، وقد أخبر الله تعالى أنَّ من بدَّل نعمة الله كفرًا فهو صالٍ في جهنَّم، فقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ. جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ}[إبراهيم:28-29].
          قال المُهَلَّب: وأمَّا حديث ابن مسعودٍ فمعناه: من أحسن في الإسلام بالتمادي عليه ومحافظته، والقيام بشروطه؛ لم يؤاخذ بما عمل في الجاهليَّة، وأجمعت الأمَّة أنَّ الإسلام يَجُبُّ ما قبله.
          وأمَّا قوله: (مَنْ أَسَاءَ في الإسْلامِ) فمعناه: من أساء في عقد الإسلام والتوحيد بالكفر بالله ╡، فهذا يؤخذ بكلِّ كفرٍ سلف له في الجاهليَّة والإسلام، فعرضت هذا القول على بعض العلماء فأجازوه، وقالوا: لا معنى لحديث ابن مسعودٍ غير هذا، ولا تكون هذه الإساءة إلَّا الكفر؛ لإجماع الأمَّة أنَّ المؤمنين لا يؤاخذون بما عملوا في الجاهليَّة.