شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب من علق سيفه بالشجر في السفر عند القائلة

          ░84▒ باب: مَنْ عَلَّقَ سَيْفَهُ في السَّفَرِ في الشجر عِنْدَ الْقَائِلَةِ
          فيه: جَابِرٌ: (أَنَّهُ غَزَا مَعَ الرَّسولِ صلعم قِبَلَ نَجْدٍ، فَلَمَّا قَفَلَ النَّبيُّ صلعم أَدْرَكَتْهُمُ الْقَائِلَةُ في وَادٍ كَثِيرِ الْعِضَاهِ، فَنَزَلَ النَّبيُّ صلعم وَتَفَرَّقَ النَّاسُ يَسْتَظِلُّونَ بِالشَّجَرِ وَنَزَلَ النَّبيُّ صلعم تَحْتَ سَمُرَةٍ وَعَلَّقَ بِهَا سَيْفَهُ، وَنِمْنَا نَوْمَةً، فَإِذَا النَّبيُّ صلعم يَدْعُونَا وَإِذَا عِنْدَهُ أَعْرَابِي فَقَالَ: إِنَّ هَذَا اخْتَرَطَ عَلَيَّ سَيْفِي، وَأَنَا نَائِمٌ فَاسْتَيْقَظْتُ وَهُوَ في يَدِهِ صَلْتًا، فَقَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قُلْتُ: اللهُ _ثَلاثًا_ فَشَامَ السَّيْفَ وَلَمْ يُعَاقِبْهُ، وَجَلَسَ). [خ¦2910]
          وترجم له باب: تفرُّق النَّاس عن الإمام عند القائلة والاستظلال بالشَّجر.
          قال المُهَلَّب: فيه أنَّ تعليق السَّيف والسِّلاح في الشَّجر صيانةٌ لها من الأمر المعمول به.
          وفيه: أنَّ تعليقها على بعدٍ من صاحبها من الغرر لاسيَّما في القائلة واللَّيل؛ لما وصل إليه هذا الأعرابيُّ من سيف الرَّسول.
          وفيه: تفرُّق النَّاس عن الإمام عند القائلة وطلبهم الظِّلَّ والرَّاحة، ولكن ليس ذلك في غير الرَّسول صلعم إلَّا بعد أن يبقى معه من يحرسه من أصحابه؛ لأنَّ الله تعالى قد كان ضمن لنبيِّه أن يعصمه من النَّاس. وفيه: أنَّ هذه القضيَّة كانت سبب نزول هذه الآية.
          وروى ابن أبي شيبة قال: حدَّثنا أسود بن عامرٍ، عن حمَّاد بن سلمة، عن محمَّد بن عَمْرٍو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: ((كنَّا إذا نزلنا طلبنا للنَّبيِّ أعظم شجرةٍ وظلَّها، قال: فنزلنا تحت شجرة، فجاء رجلٌ وأخذ سيفه فقال: يا محمَّد، من يعصمك منِّي؟ قال: الله؛ فأنزل الله: {وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}[المائدة:67])).
          وفيه: أنَّ حراسة الإمام في القائلة واللَّيل من الواجب على النَّاس، وأنَّ تضييعه من المنكر والخطأ.
          وفيه: دعاء الإمام لأتباعه إذا أنكر شخصًا وشكوى من أنكره إليهم.
          وفيه: ترك الإمام معاقبة من جفا عليه وتوعُّده إن شاء، والعفو عنه إن أحبَّ.
          وفيه: صبر الرَّسول صلعم وحلمه وصفحه عن الجهَّال.
          وفيه: شجاعته وبأسه وثبات نفسه صلى الله عليه ويقينه أنَّ الله ينصره ويظهره على الدِين كلِّه.
          وقوله: (فَشَامَ السَّيفَ) يعني: أغمده. وشامه أيضًا: سلَّه وهو من الأضداد.