شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب تمني الشهادة

          ░7▒ باب تَمَنِّي الشَّهَادَةِ. /
          فيه: أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ النَّبي ◙: (والذي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْلا أَنَّ رِجَالًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لا تَطِيبُ أَنْفُسُهُمْ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنِّي، وَلا أَجِدُ مَا أَحْمِلُهُمْ عَلَيْهِ مَا تَخَلَّفْتُ عَنْ سَرِيَّةٍ تَغْزُو في سَبِيلِ اللهِ، والذي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوَدِدْتُ أَنِّي أُقْتَلُ في سَبِيلِ اللهِ، ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ، ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ، ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ). [خ¦2797]
          وفيه: أَنَسٌ، خَطَبَ النَّبيُّ صلعم قَالَ: (أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا عَبدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ غَيْرِ إِمْرَةٍ فَفُتِحَ لَهُ، وَقَالَ: مَا يَسُرُّنَا أَنَّهُمْ عِنْدَنَا، وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ). [خ¦2798]
          فيه من الفقه: أنَّ رسول الله كان يتمنَّى من أعمال الخير ما يعلم أنَّه لا يعطاه حرصًا منه صلعم على الوصول إلى أعلى درجات الشَّاكرين، وبذلًا لنفسه في مرضات ربِّه وإعلاء كلمة دينه، ورغبةً في الازدياد من ثواب ربِّه، ولتتأسَّى به أمَّته في ذلك، وقد يثاب المرء على نيَّته، وسيأتي في كتاب التَّمنِّي ما تمنَّاه الصَّالحون ممَّا لا يصل إلى كونه. [خ¦7228].
          وقوله: (والذي نَفسِي بيدِهِ) فيه إباحة اليمين بالله على كلِّ ما يعتقده المرء ممَّا يحتاج فيه إلى يمينٍ، وما لا يحتاج، وكثيرًا كان ◙ يقول في كلامه: ((ومقلِّب القلوب)) لأنَّ في اليمين بالله توحيدًا وتعظيمًا له، وإنَّما يكره تعمُّد الحنث.
          وفيه: أنَّ الجهاد ليس بفرضٍ معيَّنٍ على كلِّ أحدٍ، ولو كان معيَّنًا ما تخلَّف رسول الله، ولا أباح لغيره التَّخلُّف عنه ولو شقَّ على أمَّته؛ إذ(1) كانوا يطيعونه، هذا إذا كان العدوُّ لم يفجأ المسلمين في دارهم ولا ظهر عليهم
          وفيه: أنَّه يجوز للإمام العالم ترك فعل الطَّاعة إذا لم يطق أصحابه ونصحاؤه على الإتيان بمثل ما يقدر هو عليه منها إلى وقت قدرة الجميع عليها وذلك من كرم الصُّحبة وأدب الأخلاق. وفيه عظيم فضل الشَّهادة، ولذلك قال صلعم: (وما يَسُرُّنَا أَنَّهُمْ عِنْدَنَا) لعلمه بما صاروا إليه من رفيع المنزلة.


[1] في (ص): ((إذا)) والمثبت من المطبوع.