شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: إذا حرق المشرك المسلم هل يحرق؟

          ░152▒ باب: إِذَا حَرَّقَ الْمُشْرِكُ الْمُسْلِمَ هَلْ يُحَرَّقُ
          فيه: أَنَسٌ: (أَنَّ رَهْطًا مِنْ عُكْلٍ ثَمَانِيَةً، قَدِمُوا على النَّبيِّ ◙، فَاجْتَوَوُا الْمَدِينَةَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، ابْغِنَا رِسْلًا، فَقَالَ: مَا أَجِدُ لَكُمْ إِلَّا أَنْ تَلْحَقُوا بِالذَّوْدِ، فَانْطَلَقُوا، فَشَرِبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا، حَتَّى صَحُّوا وَسَمِنُوا، وَقَتَلُوا الرَّاعِيَ، وَاسْتَاقُوا الذَّوْدَ _إلى قوله_: فَقَطَّعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، ثُمَّ أَمَرَ بِمَسَامِيرَ، فَأُحْمِيَتْ فَكَحَلَهُمْ بِهَا) الحديث. [خ¦3018]
          وفيه: أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ الرَّسولُ: (قَرَصَتْ نَمْلَةٌ نَبِيًّا مِنَ الأنْبِيَاءِ، فَأَمَرَ بِقَرْيَةِ النَّمْلِ، فَأُحْرِقَتْ، فَأَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ: أَنْ قَرَصَتْكَ نَمْلَةٌ أَحْرَقْتَ أُمَّةً مِنَ الأمَمِ تُسَبِّحُ). [خ¦3019]
          قال المُهَلَّب: قوله: (بَابُ إِذَا حَرَّقَ الْمُشْرِكُ الْمُسْلِمَ هَلْ يُحَرَّقُ)، ولم يذكر سَمل العُرَنيِّين أَعْيَن الرُّعاة، يدلُّ أنَّ ذلك من فعلهم مرويٌّ، إلَّا أنَّ طرق ذلك ليست من شرط كتابه.
          قال المؤلِّف: وسأذكر الرِّوايات بذلك في كتاب المحاربين، إن شاء الله، [خ¦6802] [خ¦6803] [خ¦6804] [خ¦6805] وقد يخرج معنى التَّرجمة من هذا الحديث بالدَّليل لو لم يصحَّ سمل العرنيِّين للرِّعاء، وذلك أنَّ النَّبيَّ ◙ لما سمل أَعْيَن العرنيِّين، والسمل تحريقٌ بالنَّار، استدلَّ منه البخاريُّ أنَّه لمَّا جاز تحريق أعينهم بالنَّار ولو كانوا لم يحرِّقوا أَعْيَن الرِّعاء، أنَّه أولى بالجواز تحريق المشرك إذا أحرق المسلم. وروى سَحنون عن ابن القاسم أنَّه لا بأس برمي المركب من مراكب العدوِّ بالنَّار إذا بدأونا بالرَّمي، وإن كان فيهم أسرى مسلمين ونساءٌ وصبيانٌ لهم.
          وكذلك حديث النَّبيِّ صلعم الذي أحرق فيه النَّمل، فيه دليلٌ على جواز التَّحريق؛ لأنَّ الله إنَّما عاتبه في تحريق جماعة النَّمل التي لم تقرصه، ولم يعلمه أنَّ ذلك من فعله حرامٌ، ولا أنَّه أتى كبيرةً، فتلزمه التَّوبة منها؛ لأنَّ الأنبياء معصومون من الكبائر، وقد تقدَّم ذكر من أجاز التَّحريق بالنَّار، ومن كرهه من السَّلف في باب: لا يعذَّب بعذاب الله، قبل هذا. [خ¦3016] وسيأتي شيء منه في كتاب المحاربين [خ¦6802].
          والرِّسل: اللَّبن. وترجَّلَ النَّهار: ارتفع. في كتاب «العين».