شرح الجامع الصحيح لابن بطال

[كتاب صلاة التراويح]

          ░░31▒▒
          ░1▒ باب: فَضْلِ مَنْ قَامَ رَمَضَانَ.
          فيه: أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلعم يَقُولُ لِرَمَضَانَ(1): (مَنْ قَامَهُ(2) إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صلعم وَالأمْرُ على ذَلِكَ، ثُمَّ كَانَ الأمْرُ على ذَلِكَ في خِلافَةِ أبي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ خِلافَةِ عُمَرَ). [خ¦2008]
          وفيه: ابْنُ عَبْدٍ الْقَارِيِّ: خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ لَيْلَةً في رَمَضَانَ إلى الْمَسْجِدِ، فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ، يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ، وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلاتِهِ الرَّهْطُ، فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي أَرَى لَوْ جَمَعْتُ هَؤُلاءِ على قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَمْثَلَ، ثُمَّ عَزَمَ، فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبيِّ بْنِ كَعْبٍ، ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلاةِ قَارِئِهِمْ، قَالَ عُمَرُ: نِعْمَ(3) الْبِدْعَةُ هَذِهِ، والَّتي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِن الَّتي يَقُومُونَ(4)، يُرِيدُ آخِرَ اللَّيْلِ، وَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ. [خ¦2009] [خ¦2010]
          وفيه: عَائِشَةُ: (أَنَّ النَّبيَّ صلعم خَرَجَ(5) لَيْلَةً مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ، فَصَلَّى في الْمَسْجِدِ، وَصَلَّى رِجَالٌ بِصَلاتِهِ، فَأَصْبَحَ(6) النَّاسُ فَتَحَدَّثُوا(7)، فَاجْتَمَعَ أَكْثَرُ مِنْهُمْ، فَصَلَّى فَصَلَّوْا مَعَهُ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ فَتَحَدَّثُوا، فَكَثُرَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ في(8) اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ، فَخَرَجَ(9) رَسُولُ الله(10) صلعم فَصَلَّوْا بِصَلاتِهِ، فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الرَّابِعَةُ عَجَزَ الْمَسْجِدُ عَنْ أَهْلِهِ حَتَّى خَرَجَ لِصَلاةِ الصُّبْحِ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاةَ الْفَجْرِ أَقْبَلَ على النَّاسِ، فَتَشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ(11): أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ لَمْ يَخْفَ عَنِّي(12) مَكَانُكُمْ، وَلَكِنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْتَرَضَ عَلَيْكُمْ فَتَعْجِزُوا عَنْهَا، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صلعم وَالأمْرُ على ذَلِكَ). [خ¦2012]
          وفيه: عَائِشَةُ قَالَتْ: (لَمْ يَكُنْ رسُولُ اللهِ صلعم يَزِيدُ في رَمَضَانَ وَلا في غَيْرِهِ على إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلا تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ أَرْبَعًا، ثُمَّ ثَلاثًا)... الحديثَ. [خ¦2013]
          قوله: (مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيْمَانًا) يعني مصدِّقًا بما وعد الله من الثَّواب عليه، وقوله: (احْتِسَابًا) يعني يفعل ذلك ابتغاء وجه الله تعالى.
          وفي جمع عمر النَّاس على قارئٍ واحدٍ دليلٌ على نظر الإمام لرعيَّته في جمع كلمتهم وصلاح دينهم، قال المُهَلَّب: وفيه أنَّ اجتهاد الإمام ورأيه في السُّنن مسموعٌ منه مؤتمرٌ له(13)، كما ائتمر الصَّحابة لعمر في جمعهم على قارئٍ واحدٍ لأنَّ طاعتهم لاجتهاده واستنباطه طاعة لله تعالى لقوله: {وَلَوْ رَدُّوهُ إلى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ}[النساء:83]، وفيه جواز الاجتماع لصلاة(14) النَّوافل، وفيه أنَّ الجماعة المتَّفقة في عمل الطَّاعة مرجوٌّ بركتها، إذ دعاء كلِّ واحدٍ منهم يشمل جماعتهم، فلذلك صارت صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذِّ بسبعٍ وعشرين درجةً، فيجب أن تكون النَّافلة كذلك، وفيه(15) أن قيام رمضان سنَّة لأنَّ عمر لم يسنَّ منه إلَّا ما كان رسول الله صلعم يحبُّه، وقد أخبر ◙ بالعلَّة الَّتي منعته من الخروج إليهم، وهي خشية أن يفترض(16) عليهم، وكان بالمؤمنين رحيمًا، فلمَّا أمن عمر أن تفترض(17) عليهم في زمانه لانقطاع الوحي أقام هذه السُّنَّة وأحياها، وذلك سنَةَ أربع عشرة من الهجرة في صدر خلافته.
          قال المُهَلَّب: وفيه أنَّ الأعمال إذا تُركت لعلَّة، وزالت العلَّة أنَّه لا بأس بإعادة العمل، كما أعاد عمر صلاة اللَّيل في رمضان بالجماعة(18)، وفيه أنَّه يجب أن يؤمَّ القوم أقرؤهم، فلذلك(19) قال عمر: أُبيٌّ أقرؤنا، فلذلك قدَّمه عمر، وهذا على الاختيار إذا أمكن لأنَّ عمر(20) قدَّم أيضًا تميمًا(21) الدَّاريَّ، ومعلوم أنَّ كثيرًا من الصَّحابة أقرأ منه، فدلَّ هذا أنَّ قوله ◙: ((يَؤُمُّ القَومَ أَقرَؤُهُم)) إنَّما هو على الاختيار.
          وقول عمر: (نِعمَ البِدْعَةُ) فالبدعة اختراع(22) ما لم يكن قبل، فما خالف السُّنَّة فهو بدعة ضلالة، وما وافقها فهو بدعة هُدى، وقد سُئل ابن عمر عن صلاة الضُّحى فقال: بدعةٌ، ونعم(23) البدعة.
          وقوله: (وَالَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ) يعني القيام آخر اللَّيل لحديث التَّنزُّل واستجابة الرَّبِّ تعالى في ذلك الوقت لمن دعاه، وقد تقدَّم معنى قوله ◙: (خَشِيتُ أَنْ يُفتَرَضَ(24) عَلَيكُم) في باب تحريض الرَّسول(25) صلعم على صلاة اللَّيل والنَّوافل من غير إيجابٍ في آخر كتاب الصَّلاة، فأغنى عن إعادته، [خ¦1129] وكذلك تقدَّم في باب قيام النَّبيِّ ◙ باللَّيل في رمضان وغيره واختلافهم(26) في عدد القيام في رمضان، [خ¦1147] ونذكر منه هنا طرفًا(27) لم يمض هناك، وهو أنَّ قول عائشة ♦: (لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ صلعم يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَغَيرِهِ(28) عَلَى إِحدَى عَشْرَةَ رَكعَةً(29)). فهذه الرِّواية مطابقة لما روى مالك عن محمَّد بن يوسف عن السَّائب بن يزيد قال: أمر عمر(30) ☺ أُبيَّ بن كعب وتميمًا(31) الدَّاريَّ أن يقوما للنَّاس بإحدى عشرة ركعة.
          وقال الدَّاوديُّ وغيره: وليست(32) رواية مالك عن السَّائب(33) بمعارضة برواية من روى عن السَّائب ثلاثًا وعشرين ركعة، ولا ما روى مالك عن يزيد بن رومان قال ((كَانَ النَّاس يقومون في رمضان بثلاثٍ وعشرين ركعةً، معارضةً(34) لروايته عن السَّائب لأنَّ عمر جعل النَّاس يقومون في أوَّل أمرِه بإحدى عشرة ركعةٍ كما فعل النَّبيُّ صلعم وكانوا يقرؤون بالمئين ويطوِّلون القراءة، ثمَّ زاد عمر بعد ذلك فجعلها ثلاثًا وعشرين ركعةً على ما رواه يزيد بن رومان، وبهذا قال الثَّوريُّ والكوفيُّون والشَّافعيُّ وأحمد، فكان الأمر على ذلك إلى زمن معاوية، فشقَّ على النَّاس طول القيام لطول القراءة، فخفَّفوا القراءة وكثروا من الرُّكوع، وكانوا يصلُّون تسعًا وثلاثين ركعةً، فالوتر منها ثلاث ركعاتٍ، فاستقرَّ(35) الأمر على ذلك وتواطأ عليه النَّاس، وبهذا قال مالك، فليس ما جاء من اختلاف أحاديث(36) رمضان يتناقض، وإنَّما ذلك في زمان(37) بعد زمانٍ، / والله الموفق.
          وقد تقدَّم اختلافهم في تأويل قوله(38): (يُصَلِّي أَربَعًا ثُمَّ أَربَعًا(39)) في أبواب صلاة اللَّيل في كتاب الصَّلاة، [خ¦1147] وأنَّ ذلك مرتَّب على قوله: ((صَلاةُ اللَّيلِ مَثنَى مَثنَى))، وأنَّه سلَّم من الأربع، والرَّدُّ على من أنكر ذلك، وكذلك تقدَّم في باب تحريض النَّبيِّ ◙ على صلاة اللَّيل والنَّوافل من غير إيجاب اختلافهم في صلاة رمضان، هل هي أفضل في البيت أو مع الإمام؟ [خ¦1126] [خ¦1129]
          وقوله: (فَإِذَا(40) النَّاسُ أَوزَاعٌ) قال صاحب «العين»: أوزاع النَّاس ضروب منهم، والتَّوزيع القسمة.


[1] في (م): ((فيه أبو هريرة: قال النبي صلعم لرمضان)).
[2] في (ز): ((صامه)) والمثبت من (م).
[3] في (م): ((نعمت)).
[4] قوله: ((من التي يقومون)) ليس في (م).
[5] في (م): ((أن النبي صلعم صلى في رمضان وقال: خرج النبي صلعم)).
[6] في (م): ((وأصبح)).
[7] في (ز): ((يتحدثوا)) في الموضعين والمثبت من (م).
[8] في (م): ((في)).
[9] قوله: ((فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ........فَكَثُرَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ في اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ، فَخَرَجَ)) الورقة ليست في المخطوط (ص).
[10] في (م): ((النبي)).
[11] في (م): ((لصلاة الصبح فأقبل على الناس قال)).
[12] في (م): ((عليَّ)).
[13] في (م): ((مؤتمر له فيه)).
[14] في (م): ((في صلاة)).
[15] في (ز): ((ففيه)) والمثبت من (م)، غير واضحة في (ص).
[16] في (م): ((يفرض)).
[17] في (م): ((تفرض)).
[18] في (م): ((في الجماعة)).
[19] في (م): ((وكذلك)).
[20] زاد في (م): ((قد)).
[21] في (ز) و(ص): ((تميم)) والمثبت من (م).
[22] في (م): ((إخراج)).
[23] في (م): ((ونعمت)).
[24] في (م): ((تفرض)).
[25] في (م): ((النبي)).
[26] في (م) و(ص): ((اختلافهم)).
[27] في (م): ((منه طرفًا هنا)).
[28] في (م): ((ولا غيره)).
[29] قوله: ((ركعة)) ليس في (م).
[30] زاد في (م): ((ابن الخطاب)).
[31] في (ز) و(ص): ((وتميم)) والمثبت من (م).
[32] في (م): ((ليست)).
[33] قوله: ((عن السائب)) ليس في (م).
[34] في (م): ((بمعارضة)).
[35] في (م): ((وثلاثين، الوتر منها بثلاث فاستقر)).
[36] زاد في (م): ((قيام)).
[37] في (ص): ((زمن)).
[38] في (م): ((قولها)).
[39] في (ص): ((فصلَّى أربعًا)).
[40] في (م): ((وإذا))، وفي (ص): صورتها ((زاد)).