شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب من استعان بالضعفاء والصالحين في الحرب

          ░76▒ باب: مَنِ اسْتَعَانَ بِالضُّعَفَاءِ وَالصَّالِحِينَ في الْحَرْبِ
          وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَخبرَّني أَبُو سُفْيَانَ: قَالَ لي قَيْصَرُ: سَأَلْتُكَ أَشْرَافُ النَّاسِ يتَّبَعُونه ُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟ فَزَعَمْتَ ضُعَفَاءَهُمْ، وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ.
          فيه: سَعْدٌ: أَنَّهُ رَأَى فَضْالَتَهُ على مَنْ دُونَهُ َقَالَ الرَّسولُ: (هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ). [خ¦2896]
          وفيه أَبُو سَعِيدٍ: قَالَ الرَّسُولُ ◙: (يَأْتِي زَمَانٌ يَغْزُو فِيه فئَامٌ مِنَ النَّاسِ فَيُقَالُ: فِيكُمْ مَنْ صَحِبَ الرَّسولَ صلعم؟ فَيُقَالُ: نَعَمْ، فَيُفْتَحُ عَلَيْهِم، ثُمَّ يَأْتِي زَمَانٌ فَيُقَالُ: فِيكُمْ مَنْ صَحِبَ أَصْحَابَ النَّبيِّ صلعم؟ فَيُقَالُ: نَعَمْ، فَيُفْتَحُ، ثُمَّ يَأتِي زَمَانٌ فَيُقالُ: فِيكُم مَنْ صَحِبَ صَاحِبَ أَصحَابِ النَّبيِّ؟ فيقالُ: نَعَمْ، فَيُفْتَحُ). [خ¦2897]
          قال المؤلِّف: ذكر النَّسائيُّ زيادةً في حديث سعدٍ يبيِّن بها معناه فيقال فيه: ((هل تنصرون وترزقون إلَّا بضعفائكم بصومهم وصلاتهم ودعائهم))، وتأويل ذلك أنَّ عِبادة الضُّعفاء ودعاءهم أشدُّ إخلاصًا وأكثر خشوعًا لخلاء قلوبهم من التَّعلُّق بزخرف الدُّنيا وزينتها وصفاء ضمائرهم ممَّا يقطعهم عن الله فجعلوا همَّهم واحدًا فزكت أعمالهم، وأجيب دعاؤهم.
          قال المُهَلَّب: إنَّما أراد ◙ بهذا القول لسعدٍ الحضَّ على التَّواضع ونفى الكبر والزُّهو عن قلوب المؤمنين. ففيه من الفقه أنَّ من زها على ما هو دونه أنَّه ينبغي أن يبيِّن من فضله ما يحدث له في نفس المزهوِّ مقدارًا أو فضلًا حتَّى لا يحتقر أحدًا من المسلمين؛ ألا ترى أن الرَّسول صلعم أَبَان من حال الضُّعفاء ما ليس لأهل القوَّة والغناء فأخبر أنَّ بدعائهم وصلاتهم وصومهم ينصرون.
          وذكر عبد الرَّزَّاق، عن مكحولٍ أنَّ سعد بن أبي وقَّاصٍ قال: ((يا رسولَ اللهِ، أرأيتَ رجلًا يكون حاميةَ القومِ ويدفعُ عن أصحابِهِ ليكونَ نصيبُه كنصيبِ غيرِه؟ فقال النَّبيُّ ◙: ثكلَتكَ أمُّك يا ابنَ أمِّ سعدٍ، وهل تنصرونَ وترزقونَ إلَّا بضعفائِكم)). فيمكن أن يكون هذا المعنى الذي لم يذكره البخاريُّ في حديث سعدٍ الذي رأى به الفضل لنفسه على من دونه والله أعلم.
          وحديث أبي سعيدٍ يشهد لصحَّته ويوافق معناه قوله ◙: ((خيركم قرني ثمَّ الذين يلونهم، ثمَّ الذين يلونهم))، لأنَّه يفتح لهم لفضلهم، ثمَّ يفتح للتَّابعين لفضلهم، ثمَّ يفتح لتابعيهم لفضلهم، وأوجب الفضل لثلاثة القرون ولم يذكر الرَّابع ولم يذكر فضلًا فالنَّصر فيهم أقلُّ، والله أعلم. وقال صاحب «العين»: الفئام: الجماعة مِنَ النَّاس وغيرهم. /