شرح الجامع الصحيح لابن بطال

[أبواب سجود القرآن]

          ░░17▒▒ [أبواب سجود القرآن]
          ░1▒ باب ما جاء في سجود القرآن وسنَّتها.
          فيه: عَبْدُ اللهِ قَالَ: (قَرَأَ النَّبيَّ صلعم النَّجْمَ بِمَكَّةَ فَسَجَدَ فِيهَا، وَسَجَدَ مَنْ مَعَهُ غَيْرَ شَيْخٍ أَخَذَ كَفًّا مِنْ حَصًى أَوْ تُرَابٍ فَرَفَعَهُ إلى جَبْهَتِهِ، وَقَالَ: يَكْفِينِي هَذَا، فَرَأَيْتُهُ بَعْدُ قُتِلَ كَافِرًا). [خ¦1067]
          اختلف العلماء في سجود النَّجم لاختلافهم في سجود المفصَّل، فرُوي عن عمر وعثمان وعليٍّ وابن مسعودٍ وابن عمر وأبي هريرة أنَّهم كانوا يسجدون في النَّجم والمفصَّل، وهو قول الثَّوريِّ وأبي حنيفة واللَّيث والشَّافعيِّ وأحمد وإسحاق وابن وهبٍ وابن حبيبٍ من أصحاب مالكٍ، واحتجُّوا بهذا الحديث.
          وقالت طائفةٌ: لا سجود في النَّجم ولا في المفصَّل، رُوي ذلك عن عُمَر بن الخطَّاب وأبيِّ بن كعبٍ وابن عبَّاسٍ وأنسٍ، وعن سعيد بن المسيِّب والحسن وعطاءٍ وطاوس ومجاهدٍ، وقال يحيى بن سعيدٍ: أدركت القرَّاء لا يسجدون في شيء من المفصَّل، وهو قول مالكٍ، واحتجَّ من لم يرَ السُّجود في النَّجم(1) بما ذكره البخاريُّ عن زيد بن ثابتٍ: ((أنَّه قرأَ على(2) النَّبيُّ صلعم والنَّجم(3)، فلم يسجُدْ فيها))، وبما رواه قَتادة عن عِكْرِمَة قال: ((سَجدَ رسولُ اللهِ صلعم بمكَّةَ في المفصَّلِ، فلمَّا هاجرَ تركَ)).
          واحتجَّ الطَّبريُّ لأهل المقالة الأولى فقال: يمكن أن يكون صلعم لم يسجد فيها لأنَّ زيدًا لم يسجد فيها، وإنَّما القارئ هو الَّذي يسجد فيسجد السَّامع، ويمكن أن يكون ترك السُّجود فيها ليدلَّ أن سجود القرآن ليس منه شيءٌ واجبٌ، قال الطَّحاويُّ: ويمكن(4) أن يكون قرأها في وقتٍ لا يحلُّ فيه السُّجود أو لأنَّه كان على غير وضوءٍ.
          واحتجَّ ابن القصَّار لمذهب(5) مالكٍ فقال: إذا اعتبرنا سجود النَّجم والمفصَّل وجدناه يخرج من طريق سائر السَّجدات لأنَّ قوله في النَّجم(6): {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا}[النجم:62]، إنَّما هو أمرٌ بالسُّجود، فوجب أن يتوجَّه إلى سجود الصَّلوات، فقوله: اسْجُدْ أي صلِّ،فلم يلزم ما ذكروه.
          وقال(7) الطَّحاويُّ أيضًا: والنَّظر على هذا أن يكون كلُّ موضع اختلف فيه هل هو سجودٌ أم لا، أن يُنظر فيه، فإن كان موضع(8) أمرٍ فإنَّما هو تعليمٌ فلا سجود فيه، وكلُّ موضعٍ فيه خبرٌ عن السُّجود فهو موضع سجود التِّلاوة.
          وقال المُهَلَّب: يمكن أن يكون اختيار من اختار من العلماء ترك السُّجود في {والنَّجمِ}، والمفصَّل خشية أن يخلط على النَّاس صلاتهم لأنَّ المفصَّل هو الَّذي(9) يقرأ في الصَّلوات(10)، وقد أشار مالكٌ ☼ إلى هذا، وأمَّا الَّذي أخذ كفًّا من حصى وترك(11) السُّجود مع النَّبيِّ صلعم ففيه أنَّه من خالف النَّبيَّ صلعم استهزاءً به(12) كافرٌ يعاقب في الدُّنيا والآخرة، كما قال تعالى(13): {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[النور:63]، فكذلك أصاب هذا الشَّيخ فتنةٌ(14) وكفرٌ، ويُصيبه في الآخرة عذابٌ أليمٌ، وقيل: إنَّه الوليد بن المغيرة(15).


[1] قوله: ((في النجم)) ليس في (م).
[2] قوله: ((على)) زيادة من (ق) و(م). وهي ليست في (ص).
[3] في (ق) و(م): ((النجم)).
[4] في (ص): ((يمكن)).
[5] في (ق) و(م): ((لقول)).
[6] في (ي): ((والنجم)).
[7] في (ص): ((قال)).
[8] قوله: ((اختلف فيه، هل هو سجود أم لا، أن ينظر فيه، فإن كان موضع)) ليس في (ي).
[9] في (ص): ((أكثر ما)).
[10] في (ق): ((الصلاة)).
[11] في (ق): ((فترك)).
[12] زاد في (ق) و(م): ((أنه)).
[13] في (ق): ((كما قال الله ╡)).
[14] قوله: ((فتنة)) ليس في (ي).
[15] زاد في (ق): ((ذكره ابن إسحق وقال عنه كان شيخًا كبيرًا فلم يستطع السجود فلذلك سجد على الحصى في كفّه)).