شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الحور العين وصفتهن

          ░6▒ باب نزول الْحُورِ الْعِينِ وَصِفَتِهِنَّ.
          يُحَارُ فِيهِ الطَّرْفُ شَدِيدَةُ سَوَادِ الْعَيْنِ شَدِيدَةُ بَيَاضِ الْعَيْنِ {زَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عين}[الدخان:54]أَنْكَحْنَاهُمْ.
          فيه: أَنَسٌ، قَالَ صلعم: (مَا مِنْ عَبْدٍ يَمُوتُ لَهُ عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ يَسُرُّهُ أَنْ يَرْجِعَ إلى الدُّنْيَا، وَأَنَّ(1) لَهُ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، إِلَّا الشَّهِيدَ، لِمَا يَرَى مِنْ فَضْلِ الشَّهَادَةِ، فَإِنَّهُ يَسُرُّهُ أَنْ يَرْجِعَ إلى الدُّنْيَا فَيُقْتَلَ مَرَّةً أُخْرَى). [خ¦2795] [خ¦2796]
          وَقَالَ أَنَسٌ، عَنِ النَّبيِّ ◙: (لَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ _أَوْ مَوْضِعُ قِيدٍ يعني سَوْطَهُ_ مِنَ الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اطَّلَعَتْ على أَهْلِ الأرْضِ لأضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا وَلَمَلأتْهُ رِيحًا، وَلَنَصِيفُهَا على رَأْسِهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا).
          قال المُهَلَّب: إنَّما ذكر حديث أنسٍ في هذا الباب لأنَّ المعنى الذي يتمنَّى الشَّهيد من أجله أن يرجع إلى الدُّنيا فيقتل هو ممَّا يرى ممَّا يعطي الله الشَّهيد من النَّعيم ويزوِّجه من الحور العين، وكلُّ واحدةٍ منهنَّ لو اطَّلعت إلى الدُّنيا لأضاءت كلَّها، ليستزيد من كرامة الله وتنعيمه وفضله. وفي ذلك حضٌّ على طلب الشَّهادة وترغيبٌ فيها.
          وقال ابن قتيبة: إنَّما سمِّي الشُّهداء شهداء؛ لأنَّهم يشهدون ملكوت الله، واحدهم شهيدٌ كما يقال عليمٌ وعلماء، وكفيلٌ وكفلاء، وقال ابن الأنباريِّ: قال أبو العبَّاس: سمِّي الشهيد شهيدًا؛ لأنَّ الله وملائكته شهودٌ له بالجنَّة، وهو فعيلٌ بتأويل مفعول. مثل طبيخٌ وقديرٌ بمعنى مطبوخٌ ومقدورٌ. وقِيد الرُّمح قدره وقيسه، والنَّصيف الخمار، من كتاب «العين».


[1] في (ص): ((فإن)) والمثبت من المطبوع.