شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب جوائز الوفد

          ░175▒ باب: جَوَائِز الوُفُود
          فيه: ابْنُ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: يَوْمُ الْخَمِيسِ، وَمَا يَوْمُ الْخَمِيسِ؟ ثُمَّ بَكَى، فَقَالَ: (اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللهِ صلعم وَجَعُهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ، فَقَالَ: ائْتُونِي بِكِتَابٍ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا، فَتَنَازَعُوا، وَلا يَنْبَغِي عِنْدَ نَبِيٍّ تَنَازُعٌ، فَقَالُوا: هَجَرَ رَسُولُ اللهِ صلعم، فَقَالَ: دَعُونِي، الَّذِي أَنَا فِيهِ خَيْرٌ مِمَّا تَدْعُونِي إِلَيْهِ، وَأَوْصَى عِنْدَ مَوْتِهِ بِثَلاثَةٍ: أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَأَجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ، وَنَسِيتُ الثَّالِثَةَ). [خ¦3053]
          قَالَ الْمُغِيرَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: جَزِيرَةِ الْعَرَبِ مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ وَالْيَمَامَةُ وَالْيَمَنُ.
          قَالَ يَعْقُوبُ بْنُ محمَّدٍ: وَالْعَرْجُ أَوَّلُ تِهَامَةَ.
          قال المُهَلَّب: فيه سنَّة إجازة الوفد، وهو من باب الاستئلاف. قال غيره: هذا عامٌّ في جميع الوفود الواردين على الخليفة من الرُّوم كانوا أو من المسلمين؛ لأنَّهم وإن كانوا من الرُّوم فإنَّهم لا يأتون إلَّا بأمر فيه منفعةٌ وصلاحٌ للمسلمين، فلذلك أمر صلعم بالوصاة بإجازتهم. وأيضًا فإنَّهم ضيفٌ، وقد قال صلعم في الضَّيف: ((جائزته يومٌ وليلةٌ)). ولم يخصَّ فهو عامٌّ.
          قال المُهَلَّب: وأمَّا الثَّالثة التي نسيها المحدِّث فهي: إنفاذ جيش أسامة، وكان المسلمون اختلفوا في ذلك على أبي بكرٍ، فأعلمهم أنَّ النَّبيَّ صلعم عهد بذلك عند موته.
          وفيه دليلٌ أنَّ الوصيَّة المدَّعاة لعليٍّ باطلٌ؛ لأنَّه لو كان وصيًّا كما زعموا لعلم قصَّة جيش أسامة كما علم ذلك أبو بكرٍ، وما جهله.
          وقوله: (هَجَرَ رَسُولُ الله صلعم) قال ابن دريدٍ: يقال: هجر الرَّجل في المنطق إذا تكلَّم بما لا معنى له، وأهجر إذا أفحش.