شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب فضل النفقة في سبيل الله

          ░37▒ باب: فَضْلِ النَّفَقَةِ في سَبِيلِ اللهِ.
          فيه: أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ ◙: (مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ في سَبِيلِ اللهِ دَعَاهُ خَزَنَةُ الْجَنَّةِ _كُلُّ خَزَنَةِ بَابٍ_: أَي(1) فُل هَلُمَّ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَقُولُونَ: اللَّهُمَّ ذَلِكَ الذي لا تَوَى عَلَيْهِ، فَقَالَ ◙: إِنِّي لأرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ). [خ¦2841]
          وفيه: أَبُو سَعِيدٍ: (قَامَ الرَّسُولُ على الْمِنْبَرِ فَقَالَ: إِنَّمَا أَخْشَى عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِي مَا يُفْتَحُ عَلَيْكُمْ مِنْ بَرَكَاتِ الأرْضِ _ثُمَّ ذَكَرَ زَهْرَةَ الدُّنْيَا_... الحديث، إلى قوله: فَإِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، وَنِعْمَ صَاحِبُ الْمُسْلِمِ لِمَنْ أَخَذَهُ بِحَقِّهِ، فَجَعَلَهُ في سَبِيلِ اللهِ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ). [خ¦2842]
          قال المُهَلَّب: قوله ◙: (مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ في سَبِيلِ اللهِ دَعَاهُ كُلُّ خَزَنَةِ بَابٍ) فيه فضل الجهاد على سائر الأعمال، وأنَّ للمجاهد أجر المصلي والصَّائم والمتصدِّق وإن لم يفعل ذلك؛ ألا ترى أن باب الرَّيان هو للصَّائمين خاصَّةً، وقد اشترط في هذا الحديث أنَّه يدعى من كلِّ بابٍ فاستحقَّ ذلك بإنفاق قليلٍ من المال في سبيل الله، ففي هذا أنَّ الغنيَّ(2) إذا أنفق في سبيل الله أفضل الأعمال.
          إلَّا أنَّ طلب العلم ينبغي أن يكون أفضل من الجهاد وغيره؛ لأنَّ الجهاد لا يكون إلَّا بعلم حدوده وما أحلَّ الله منه وحرَّم، ألا ترى أنَّ المجاهد / متصرِّف بين أمر العالم ونهيه، ففضل عمله كلِّه في ميزان العالم الآمر له بالمعروف والنَّاهي له عن المنكر والهادي له إلى السَّبيل، فكما أنَّ أجر المسلمين كلِّهم مذخورٌ للنَّبيِّ ◙ من أجل تعليمه لهم وهدايته إيَّاهم سبيل العلم، فكذلك يجب أن يكون أجر العالم فيه أجر من عمل بعلمه.
          وفيه دليلٌ أنَّ من دُعِي من أبواب الجنَّة كلِّها لم يكن ممَّن استحقَّ عقوبة في نارٍ _والله أعلم_ لقول أبي بكرٍ: (ذلكَ الذي لا تَوَى عليهِ) أي: لا هلاك، فلم ينكره الرَّسول.
          وفيه القول بالدَّليل في أحكام الدُّنيا والآخرة لاستدلال أبي بكرٍ بالدُّعاء له من كلِّ بابٍ أنَّه لا هلاك عليه، ولتصديق الرَّسول صلعم ذلك الاستدلال، وتبشيره لأبي بكرٍ أنَّه منهم، من أجل أنَّه أنفق في سبيل الله كلها أزواجًا كثيرةً من كلِّ شيءٍ، وقد تقدَّم هذا الحديث في كتاب الصِّيام في باب الرَّيان للصَّائمين، ومرَّ فيه من الكلام ما لم أذكره هاهنا. [خ¦1897]
          وكذلك تقدَّم القول في حديث أبي سعيدٍ في كتاب الزَّكاة، [خ¦1465] وذكر ابن المنذر من حديث جرير بن حازمٍ قال: حدَّثني بشَّار بن أبي سيف الجَرْميّ، عن الوليد بن عبد الرَّحمن، عن عياض بن غُطَيفٍ: ((أنَّ أبا عبيدة بن الجرَّاح أخبره عن الرَّسول صلعم أنَّه قال: من أنفق في سبيل الله فبسبعمائة ضعفٍ، والنَّفقة على نفسه وأهله بعشر أمثالها)).
          ومن حديث خُرَيم بن فاتِك، روى زائدة قال: حدَّثنا الرُّكَين بن الرَّبيع بن عَمِيلة الفزاريُّ، عن أبيه، عن يسير(3) بن عَمِيلة الفزاريِّ عن خُرَيم، عن النَّبيِّ صلعم قال: ((من أنفق نفقةً في سبيل الله فبسبعمائة ضعفٍ)).
          وقد جاء أنَّ الذِّكر وأعمال البرِّ في سبيل الله أفضل من النَّفقة فيه من حديث اللَّيث، عن موسى بن أيُّوب، عن موسى بن جبيرٍ، عن معاذ بن أنسٍ الجُهَنِيِّ صاحب النَّبيِّ صلعم أنَّه قال: ((يُضَعَّف الذِّكر والعمل في سبيل الله على تضعيف النَّفقة بسبعمائة ضعفٍ)) وعن ابن المسيِّب مثله.


[1] في (ص): ((أو)) والمثبت من المطبوع.
[2] كذا ترجحت قراءتنا لهذه الكلمة في (ص) وهي كذلك في التوضيح، وبيض لها في المطبوع.
[3] في (ص): ((بشير)) والمثبت من المطبوع.