شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب منه

          ░76▒ باب
          فيه: مَا رَأَيْتُ النَّبيَّ صلعم يُفَدِّي رَجُلًا بَعْدَ سَعْدٍ، سَمِعْتُهُ يَقُولُ: ((ارْمِ فِدَاكَ أبي وَأُمِّي)). [خ¦2905]
          قال المُهَلَّب: هذا ممَّا خصَّ به سعدٌ، وفيه دليلٌ أنَ الرَّجل إذا كان له أبوان وإن كانا على غير دينه فلهما عليه حرمةٌ وحقٌّ؛ لأنَّه لا يفدي إلَّا بذي حرمةٍ ومنزلةٍ، وإلَّا لم يكن يفديه، ولا فضيلة للمفدي.
          فمن هاهنا قال مالكٌ: إنَّه من آذى مسلمًا في أبويه الكافرين عوقب وأُدِّب لحرمتهما عليه. وقال الطَّبريُّ: في هذا الحديث دلالةٌ على جواز تفدية الرَّجلِ الرَّجلَ بأبويه ونفسه، وفساد قول منكري ذلك، فإن ظنَّ ظانٌّ أن تفدية الرَّسول صلعم من فداه بأبويه إنَّما كان لأنَّ أبويه كانا مشركين، فأمَّا المسلم فغير جائز أن يفدِّي مسلمًا ولا كافرًا بنفسه ولا بأحد سواه من أهل الإسلام، واعتلالًا بما روى أبو سلمة قال: أخبرني مباركٌ، عن الحسن قال: دخلَ الزُّبير على الرَّسول صلعم وهو شَاكٍ، فقال: كيف تجدكَ جعلني الله فداكَ؟ فقال له: ((أَمَا تركتَ إفداءَ(1) بيتِك بعدُ)) قال الحسن: لا ينبغي أن يفدِّي أحدٌ أحدًا، ورواه المنكدر، عن أبيه قال: دخل الزُّبير، فذكره.
          قلت: هذه أخبارٌ واهيةٌ لا يثبت مثلها حجَّةً في الدِّين؛ لأنَّ مراسيل الحسن أكثرها عن غير سماعٍ، وإذا وصل الأخبار فأكثر رواته عن مجاهيل لا يعرفون، والمنكدر بن محمَّد عند أهل النَّقل لا يعتمد على نقله، ولو صحَّت هذه الأخبار لم يكن فيها حجَّةٌ في إبطال حديث عليٍّ؛ إذ لا يُثار(2) في حديث الزُّبير أنَّ النَّبيَّ صلعم نهاه عن قول ذلك، بل إنَّما قال له فيه: ((أما تركت إفداء بيتك بعد)) والمعروف من قول القائل إذا قال: فلان لم يترك إفداء بيته، وإنَّما يشبه إلى الجفاء لا إلى نقل ما لا يجوز فعله، وأعلمه أنَّ غيره من القول والتَّحيَّة ألطف وأرقُّ منه، وسيأتي شيء من هذا المعنى في كتاب الأدب إن شاء الله.


[1] في (ص): ((إعراء)) وكذا في المواضع التي بعدها والمثبت من المطبوع.
[2] كذا ترجحت قراءتنا لهذه الكلمة في (ص)، وبيض لها في المطبوع. والمعنى ((لا يظهر)).