شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب سهام الفرس

          ░51▒ باب: سِهَامِ الْفَرَسِ. /
          وَقَالَ مَالِكٌ: يُسْهَمُ لِلْخَيْلِ وَالْبَرَاذِينِ مِنْهَا، لِقَوْلِهِ تعالى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا}[النحل:8]وَلا يُسْهَمُ لأكْثَرَ مِنْ فَرَسٍ.
          وفيه: ابْنُ عُمَرَ: (أَنَّ الرَّسُولَ جَعَلَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ وَلِصَاحِبِهِ سَهْمًا). [خ¦2863]
          قال الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ}[الحشر:7]فقسم رسول الله للفارس ثلاثة أسهمٍ: سهمًا له، وسهمين لفرسه، وفرض علينا(1) اتِّباعه وطاعته.
          وجاء عن عُمَر بن الخطَّاب أنَّه فرض للفرس سهمين ولصاحبه سهمًا، وعن عليِّ بن أبي طالب مثله، ولا مخالف لهما في الصَّحابة، وهو قول عامَّة العلماء في القديم والحديث غير أبي حنيفة؛ فإنَّه خالف السُّنَّة وجماعة النَّاس فقال: لا يسهم للفرس إلَّا سهمٌ واحدٌ. وقال: أكره أن أفضل البهيمة على مسلمٍ. وخالفه أصحابه، فبقى منفردًا شاذًّا.
          واختلفوا في الإسهام للبراذين والهُجُن فقال مالكٌ: إنَّها من الخيل يسهم لها. وبه قال أبو حنيفة والثَّوريُّ والشَّافعيُّ وأبو ثور.
          وقال اللَّيث: للهجين والبرذون سهمٌ دون سهم الفرس، ولا يلحقان بالعِراب.
          وروي عن مكحولٍ أنَّه قال: أوَّل من أسهم للبراذين خالد بن الوليد، قسم لها نصف سِهمان الخيل. وبه قال أحمد بن حنبل. وقال مكحولٌ: لا شيء للبراذين. وبه قال الأوزاعيُّ، واحتجَّ مالكٌ في «الموطَّأ» بقوله تعالى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا}[النحل:8]واسم الخيل يقع على الهُجُن والبراذين وهى تغني غناءها في كثير من المواضع، فمن زعم أنَّ بينهما فرقًا فعليه الدَّليل.
          واحتجَّ مالكٌ أيضًا بقول سعيد بن المسيِّب أنَّه سئل: هل في البراذين صدقةٌ؟ قال: وهل في الخيل صدقةٌ؟
          واختلفوا فيمن له أفراسٌ كثيرةٌ، فقال مالكٌ: لا يسهم إلَّا لفرسٍ واحدٍ وهو الذي يقاتل عليه. وهو قول أبي حنيفة ومحمَّد والشَّافعيِّ. وقال الثَّوريُّ والأوزاعيُّ وأبو يوسف واللَّيث وأحمد وإسحاق: يسهم لفرسين. وحجَّة القول أنَّهم أجمعوا على أنَّ سهم فرسٍ واحدٍ يجب مع ثبوت الخبر بذلك عن النَّبيِّ صلعم فثبت القول به إذ هو سنَّةٌ وإجماعٌ، ووجب التَّوقيف عن القول بأكثر من ذلك إذ لا حجَّة مع القائلين به.
          قال المُهَلَّب: وفي قسمته ◙ للفرس سهمين حضٌّ على اكتساب الخيل واتِّخاذها؛ لما جعل الله فيها من البركة في اعتلاء كلمته وإعزاز حزبه ولتعظم شوكة المسلمين بالخيل الكثيرة، والله أعلم.


[1] في (ص): ((عليَّ)) والمثبت من المطبوع.