شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: هل يرشد المسلم أهل الكتاب أو يعلمهم الكتاب؟

          ░99▒ باب: هَلْ يُرشِدُ المسلمُ أهلَ الكتابِ أو يعلِّمُهمُ الكتابَ؟
          فيه: ابْنُ عَبَّاسٍ: (أَنَّ النَّبيَّ صلعم كَتَبَ إلى قَيْصَرَ: فَإِنْ تَوَلَّيْتَ، فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الأرِيسِيِّينَ). [خ¦2936]
          قال المؤلِّف: إرشاد أهل الكتاب ودعاؤهم إلى الإسلام على الإمام، وأمَّا تعليمهم الكتاب فاستدلَّ الكوفيُّون على جوازه بكتابة النَّبيِّ صلعم إليهم آيةً من كتاب الله بالعربيَّة، فعلَّمهم كيف حروف العربيَّة وكيف تأليفها وكيف إيصال ما اتَّصل من الحروف، وانقطاع ما انقطع منها قالوا: فهذا تعليمٌ لهم؛ لأنَّهم لم يقرؤوا حتَّى ترجم لهم، وفي التَّرجمة تعريف ما يوافق من حروفها حروفهم وما يعبَّر عنه، ألا ترى أنَّ في أسماء الطَّير في نظير أبيات الشِّعر تعليمًا للكتاب فضلًا عن الحروف التي هي بنغمتها تدلُّ على أمثالها، وأسماء الطَّير لا يُفهَم منها نغمةٌ وينفك منها الكلام، قاله المُهَلَّب.
          وإلى هذا المعنى ذهب أبو حنيفة فقال: لا بأس بتعليم الحربيِّ والذِّميِّ القرآن والعلم والفقه رجاء أن يرغبوا في الإسلام، وهو أحد قولي الشَّافعيِّ. وقال مالكٌ: لا يعلَّمون الكتاب ولا القرآن، وهو قول الشَّافعيِّ الآخر، واحتجَّ الطَّحاويُّ لأصحابه بكتاب النَّبيِّ صلعم إلى هرقل بآيةٍ من القرآن وبما رواه حمَّاده بن سلمة، عن حبيبٍ المعلِّم قال: سألت الحسن: أُعلِّم أهل الذِّمَّة القرآن؟ قال: نعم، أليس يقرءون التَّوراة والإنجيل وهو كتاب الله؟ واحتجَّ الطَّحاويُّ بقوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللهِ}[التوبة:6]. قالوا: وقد روى أسامة بن زيدٍ: ((أنَ رسول الله صلعم مرَّ على مجلسٍ فيه عبدُ اللهِ بن أبيٍّ قبل أن يسلم وفي المجلس أخلاطٌ مِنَ المسلمين والمشركين واليهود، فقرأ عليهم القرآنَ)).
          وحجَّة مالكٍ قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ}[التوبة:28]وقد نهى الرَّسول صلعم أن يُسافَر بالقرآن إلى أرض العدوِّ مخافة أن يناله العدوُّ، وكره مالكٌ أن يُشترَى من أهل الكفر فيُعطَوا دراهم فيها اسم الله، وكره إذا كان صيرفيٌّ يهوديٌ أو نصرانيٌّ أن يصرف منهم.
          وقال الطَّحاويُّ: يكره أن يُعطَى الكافر الدَّراهم فيها القرآن؛ لأنَّه لا يغتسل من الجنابة فهو كالجنب يمسُّ المصحف فيُكرَه أن يعطاه، والدَّراهم على عهد الرَّسول صلعم لم يكن عليها قرآنٌ وإنَّما ضربت في أيَّام عبد الملك.
          وقال غيره: وفي كتاب الرَّسول صلعم آيةً من القرآن فيه جواز مباشرة الكفَّار صحائف القرآن إذا احتيج إلى ذلك.