شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: إن الله يؤيد الدين بالرجل الفاجر

          ░182▒ باب: إِنَّ الله يُؤِّيُد الدِّينَ بَالرَّجُلِ الفَاجِرِ
          فيه: أَبُو هُرَيْرَةَ: (وَشَهِدْنَا مَعَ النَّبيِّ صلعم، فَقَالَ لِرَجُلٍ مِمَّنْ يَدَّعِي الإسْلامَ: هَذَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَقَاتَلَ الرَّجُلُ قِتَالًا شَدِيدًا، وَأَصَابَتْهُ جِرَاحَةٌ، فَلَمْ يَصْبْر فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنِّي رسُول الله، وَأَمَرَ بِلالًا يُنَادِي في النَّاسِ: إِنَّهُ لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُؤمِنَةٌ، وَإِنَّ اللهَ لَيُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ). [خ¦3062]
          قال المُهَلَّب: هذا ممَّا أعلمنا النَّبيُّ صلعم أنَّه ممَّن نفذ علينا الوعيد من الفجَّار المذنبين، لا أنَّ كلَّ من قتل نفسه أو غيره يقضى عليه بالنَّار، ولا يعارض هذا الحديث قوله صلعم: ((إِنَّا لَا نَستَعِينُ بِمُشرِكٍ)) لأنَّ المشرك غير المسلم الفاجر، وقوله: ((إِنَّا لَا نَستَعِينُ بِمُشرِكٍ)) قد يكون خاصًّا في ذلك الوقت؛ لأنَّه قد استعان بصفوان بن أميَّة في هوازن، واستعار منه صلعم مائة درعٍ بأداتها، وخرج معه صفوان بن أميَّة حتَّى قالت له هوازن: تقاتل مع محمَّدٍ ولست على دينه؟! فقال: ربٌّ من قريشٍ خيرٌ من ربِّ من هوازن. وقد غدا معه المنافقون وهو يعلم نفاقهم وكفرهم.
          وقوله: (إِنَّ اللهَ يُؤيِّدُ هَذا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الفَاجِرِ) يشتمل على المسلم والكافر، فيصحُّ أنَّ قوله: ((لا نستعين بمشركٍ)) خاصٌّ في ذلك الوقت، والله أعلم.
          وفيه من أعلام النُّبوَّة إخباره صلعم بالغيب الذي لا يدرك مثله إلَّا بالوحي.
          وفيه جواز إعلام الرَّجل الصَّالح بفضيلةٍ تكون فيه والجهر بها لتبلغ معانديه من أهل الباطل والقدح في فضائله، فيحزنهم ذلك ويعلمون ثباته وشدَّته على الحقِّ.