شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب دعوة اليهودي والنصراني وعلى ما يقاتلون عليه

          ░101▒ باب: دَعوَةِ اليَهودِ والنَّصَارَى وعَلَى مَا يُقَاتَلُونَ عَلَيهِ وَمَا كَتَبَ الرَّسُولُ صلعم إِلى كِسرَى وقَيصَرَ والدَّعوةِ قَبلَ القِتالِ
          فيه: أَنَسٌ: (لَمَّا أَرَادَ الرَّسُولُ صلعم أَنْ يَكْتُبَ إلى الرُّومِ قِيلَ لَهُ: إِنَّهُمْ لا يَقْرَؤُونَ كِتَابًا إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَخْتُومًا؛ فَاتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إلى بَيَاضِهِ في يَدِهِ، وَنَقَشَ فِيهِ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ). [خ¦2938]
          وفيه: ابْنُ عَبَّاسٍ: (أَنَّ رَسُولَ اللهِ بَعَثَ بِكِتَابِهِ إلى كِسْرَى، فَأَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إلى عَظِيمِ الْبَحْرَيْنِ، فَدْفَعُهُ عَظِيمُ الْبَحْرَيْنِ إلى كِسْرَى، فَلَمَّا قَرَأَهُ كِسْرَى خَرَّقَهُ، فَدَعَا عَلَيْهِمُ أَنْ يُمَزَّقُوا كُلَّ مُمَزَّقٍ). [خ¦2939]
          قال المُهَلَّب: فيه ما دعا الرَّسول ◙ إلى قيصر، كتب إليه يدعوه بدعاية الإسلام: ((أسلم تسلم))، فهذا الذي يقاتلون عليه، والدَّعوة لازمةٌ إذا لم تبلغهم، وإذا بلغتهم فلا يلزم، فإن شاء أن يكرِّر ذلك عليهم، وإن شاء أن يطلب غرَّتهم فَعَل، وإنَّما كانوا لا يقرءون كتابًا إلَّا مختومًا؛ لأنَّهم كانوا يكرهون أن يقرأ الكتابَ إليهم غيرُهم وأن يكون مباحًا لسواهم، فكانوا يأنفون من إهماله، وقد قيل في تأويل قوله: {كِتَابٌ كَرِيمٌ}[النمل:29]أنَّه مختومٌ، فأخذ ◙ بأرفع الأحوال التي بلغته عنهم، واتَّخذ خاتمًا ونقش فيه: محمَّدٌ رسول الله، وعهد ألَّا ينقش أحد مثله، فصارت خواتيم الأئمَّة والحكام سنَّةً لا يفتات عليهم فيها ولا يتسوَّر في اصطناع مثلها، وتخريق الكتاب من التَّهاون بأمر النُّبوَّة والاستهزاء بها؛ فلذلك دعا عليهم بالتَّمزيق فأجيب، والاستهزاء من الكبائر العظيمة إذا كان في الدِّين، وهو من باب الكفر، ويقتل المستهزئ بالدِّين؛ لأنَّ الله أخبر عن الاستهزاء أنَّه كفرٌ فقال: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ. لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}[التوبة:65-66].