الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب الغلول

          ░189▒ (بَابُ الغُلُولِ): أي: بيانِ حرمتِه، وهو من الكبَائرِ، كما نقلَ النَّوويُّ الإجماعَ / على ذلك، وهو _بضمِّ الغينِ المعجمةِ واللام_، مصدرُ: غلَّ المجرَّدِ.
          قال في ((المصباح)): غَلَّ غُلولاً _من باب: قعدَ_، وأغَلَّ _بالألف_: خانَ في المغنَمِ وغيرِه، وقال ابنُ السِّكِّيتِ: لم يُسمَعْ في المغنَمِ إلا: غَلَّ _ثلاثياً_، وهو متعدٍّ في الأصلِ، لكنه أُميتَ مفعولُه فلم يُنطَقْ به، انتهى.
          فهو لغةً: مطلَقُ الخيانةِ، قال في ((المشارق)): كلُّ خيانةٍ غُلولٌ، لكنه صارَ في عُرفِ الشرعِ الخيانةَ في المغنَمِ، وزادَ في ((النهاية)) بما قبل القِسْمةِ، قال فيها: الغُلولُ هو الخيانةُ في المغنَمِ والسَّرِقةُ من الغَنيمةِ قبل القِسمةِ، وكلُّ مَن خانَ في شيءٍ خُفيةً فقد غَلَّ، وسميت غُلولاً لأنَّ الأيديَ فيه مغلولةٌ؛ أي: ممنوعةٌ مجعولٌ فيها غُلٌّ؛ وهو: الحديدةُ التي تجمَعُ يدَ الأسيرِ إلى عُنقِه، ويقالُ لها: الجامِعةُ أيضاً.
          وقالَ ابنُ قُتيبةَ كما في ((الفتح)): سُمِّيَ بذلك لأنَّ أخذَه يغُلُّه في متاعِه؛ أي: يُخفيه فيه، والغُلولُ أعمُّ من السرقةِ إن أُريدَ به مُطلَقُ الخيانةِ، وإن أُريدَ به الخيانةُ من المغنَمِ، فبينه وبين السرقةِ عمومٌ وخصوصٌ وجهيٌّ.
          (وَقَوْلِ اللَّهِ تعالى): أي: في سورةِ آلِ عِمرانَ، ولأبي ذرٍّ: <╡> و((قولِ)) مجرورٌ عطفاً على ((الغُلولِ))، ويجوزُ رفعُه على الابتداءِ، وخبرُه محذوفٌ يقدَّرُ بنحوِ: مما يتعلَّقُ بالغُلولِ ({وَمَنْ يَغْلُلْ}) بضمِّ اللام الأولى، مجزومٌ بـ{مَن} الشرطيَّةِ، وجوابُها: ({يَأْتِ}) مجزومٌ بحذفِ الياءِ لأنه معتلٌّ ({بِمَا غَلَّ}) متعلِّقٌ بـ{يَأْتِ} أي: بالذي، أو بشيءٍ غلَّه، فالمفعولُ العائدُ محذوفٌ ({يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران:161]) ظرفٌ لـ{يَأْتِ}، وسقطَ من أكثرِ النُّسخِ.
          قال البيضاويُّ: أي: يأتي بالذي غلَّه يحمِلُه على عُنقِه، كما جاء في الحديثِ، أو بما احتمَلَ من وَبالِه وإثمِه، وصدرُ الآيةِ: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ}.
          قال البيضاويُّ وغيرُه: وما صحَّ لنبيٍّ أن يخونَ في الغنائمِ، فإنَّ النبوةَ تُنافي الخيانةَ، بل مَن ظنَّ بالنبيِّ عليه السلام أو بنبيٍّ من الأنبياءِ عليهم السلام خيانةً كفر، والمرادُ من ذلك: براءةُ رسولِ الله صلعم عما اتُّهم به، فقد روى ابنُ أبي حاتمٍ بسندِه إلى ابنِ عباسٍ ☻ قال: فقَدُوا قَطيفةً حمراءَ يومَ بدرٍ، فقال بعضُ المنافقين: لعلَّ رسولَ الله أخذَها، فأنزلَ الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ} الآيةَ، أو ظنَّ بعضُ الرُّماةِ يومَ أُحدٍ حين تركُوا المركزَ للغَنيمةِ، وقالوا: نخشى أن يقولَ رسولُ الله صلعم: مَن أخذَ شيئاً فهو له، ولا يقسِمَ الغنائمَ، فنزلتِ الآيةُ تنزيهاً له عليه الصلاةُ والسلامُ من جميعِ وجوهِ الخيانةِ في أداءِ الأمانةِ وقَسمِ الغنيمةِ وغيرِ ذلك.
          وقيل: الغرضُ من الآيةِ المبالغةُ في نهيِ رسولِ الله صلعم على ما رُويَ أنه: ((بعَثَ طلائعَ، فغنِمَ رسولُ الله صلعم، فقسَمَ على مَن معه، ولم يقسِمْ للطلائعِ، فنزلَتْ))، رواه العوفيُّ عن ابنِ عباسٍ، فيكونُ تسميةُ حِرمانِ بعضِ المستحِقِّين غُلولاً وتَغليظاً ومُبالغةً، وقرأ نافعٌ وابنُ عامرٍ وحمزةُ والكِسائيُّ ويعقوبُ، وقبلهم الحسَنُ البَصريُّ وطاوسٌ ومجاهدٌ والضحَّاكُ: ▬أن يُغَلَّ↨ بالبناء للمفعول، والمعنى: وما صحَّ له أن يوجَدَ غالًّا وأن يُنسَبَ إلى الغُلولِ، فتأمل.