الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب: إذا غنم المشركون مال المسلم ثم وجده المسلم

           ░187▒ (بَابُ إِذَا غَنِمَ): بكسرِ النونِ (المُشْرِكُونَ): أي: من أهلِ الحربِ (مَالَ المُسْلِمِ، ثُمَّ وَجَدَهُ المُسْلِمُ): أي: ظفِرَ به بعد استيلاءِ المسلمين عليهم، هل يأخذُه ويكونُ أحقَّ به لأنَّه مالُه، أو يكونُ للغانمين؟ وللخلافِ فيه لم يذكُرِ الجوابَ.
          فقال الشافعيُّ وجماعةٌ: لا يملِكُ أهلُ الحربِ بالغلَبةِ شيئاً من مالِ المسلمين، ولصاحبِه أخذُه من غيرِ مقابلٍ قبل القِسمةِ وبعدها، وعن عليٍّ والزُّهريِّ وعمرِو بنِ دينارٍ والحسَنِ: لا يُردُّ أصلاً، ويختصُّ به أهلُ المغانمِ، وقال عمرُ وسليمانُ بنُ ربيعةَ وعطاءٌ واللَّيثُ ومالكٌ وأحمدُ وآخَرونَ، وهي روايةٌ عن الحسنِ أيضاً، ونقلَها ابنُ أبي الزِّنادِ عن أبيه عن الفُقهاءِ السبعةِ: إن وجدَه صاحبُه قبل القسمةِ، فهو أحقُّ به، وإن وجدَه بعد القسمةِ، فلا يأخذُه إلا بالقيمةِ.
          واحتجُّوا بحديثٍ عن ابنِ عباسٍ مرفوعٍ بهذا التفصيلِ، أخرجَه / الدارقطنيُّ، وإسنادُه ضعيفٌ جداً.
          وعن أبي حنيفةَ كقولِ مالكٍ إلا في الآبقِ، فقال هو والثوريُّ: صاحبُه أحقُّ به مطلَقاً، كذا في ((فتح الباري)).
          وقال في ((العمدة)): قال الطحاويُّ: رُويَ عن جماعةٍ من المتقدمينَ نحوُ ما ذهبَ إليه أبو حنيفةَ ومَن معه، قال: فما روي عنهم في ذلك ما حدثَنا محمدُ بنُ خُزَيمةَ بسندِه إلى قَبيصةَ أنَّ عمرَ بنَ الخطابِ ☺ قال فيما أحرزَ المشركونَ وأصابَه المسلمونَ، فعرَفَه صاحبُه، قال: إن أدرَكَه قبل أن يُقسَمَ فهو له، وإن جرَتْ فيه قِسمةُ السِّهامِ، فلا شيءَ له، وقَبيصةُ لم يُدرِكْ عمرَ، فالحديثُ مرسَلٌ، يَحتَجُّ به مَن يحتجُّ بالمرسَلِ، قال عليٌّ: إنَّ رجاءَ بنَ حَيْوةَ روى أنَّ أبا عُبيدةَ كتَبَ إلى عمرَ في هذا، فقال: مَن وجدَ مالَه بعينِه، فهو أحقُّ به بالثمنِ الذي حُسِبَ على مَن أخذَه، وكذلك إن بيعَ ثم قُسِمَ منه، فهو أحقُّ بالثمنِ، انتهى.
          فقد أطالَ ابنُ بطالٍ الكلامَ في هذا المقامِ.