الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

[أبواب التهجد]

          ░░19▒▒ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ): سقطت لأبي ذرٍّ (بَابُ: التَّهَجُّدِ بِاللَّيْلِ): وللكشميهنيِّ: <مِن اللَّيل> وهي أوفقُ لقولِه تعالى الآتي: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} [الإسراء:79]، و{مِن} للتَّبعيض، ورواية الباء ترجع إليها، وتحتمل الظَّرفيَّة.
          قال شيخ الإسلام _كالعينيِّ_: وفي بعض النُّسخ: <كتاب التَّهجُّد باللَّيل>، ورأيت في نسخةٍ: <كتاب التَّهجُّد، باب التَّهجُّد باللَّيل>، والأمر سهلٌ.
          (وَقَوْلِهِ تَعَالَى): وفي بعض النُّسخ: <وقوله ╡> ولفظ: ((وقوله)) مجرورٌ أو مرفوعٌ ({وَمِنَ اللَّيْلِ}): أي: بعضه أو فيه ({فَتَهَجَّدْ}): أي: اسهر ({بِهِ}): أي: بالقرآن، زاد أبو ذرٍّ في روايته: <اسهر به> وحكاه الطَّبريُّ أيضاً، وأصله لأبي عبيدة فإنَّه قال في المجاز: {فَتَهَجَّدْ بِهِ}: أي: اسهر بصلاته ({نَافِلَةً}): أي: فضيلةً ({لَكَ}): أو فريضةً.
          قال البيضاويُّ: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ}: وبعض اللَّيل فاترك الهجود للصَّلاة، والضَّمير للقرآن {نَافِلَةً لَكَ}: فريضةً زائدةً / لك على الصَّلوات المفروضة لا تجبُ على غيرك، أو فضيلةً لك لاختصاص وجوبه بك. انتهى، قال في ((الفتح)): قصد البخاريُّ _أي: بهذه التَّرجمة_ إثبات مشروعيَّة قيام اللَّيل مع عدم التَّعرُّض لحكمهِ، وقد أجمعوا إلَّا شذوذاً مِن القدماء على أنَّ صلاة اللَّيل ليست مفروضةً على الأُمَّة، واختلفوا في كونها من خصَائص النَّبيِّ، وسيأتي تصريحُ المصنِّف بعدم وجوبهِ على الأُمَّة. انتهى.
          وسيأتي الكلام على ذلك مستوفًى إن شاء الله تعالى.
          ثمَّ قال في ((الفتح)): تفسير التَّهجُّد بالسَّهر معروفٌ في اللُّغة، وهو من الأضدادِ، يُقال: تهجَّد: إذا سهر، وتهجَّد: إذا نام، حكاه الجوهريُّ وغيره، ومنهم من فرَّق بينهما فقال: هجَدْت: نمت، وتهجَّدتُ: سهرتُ، حكاه أبو عبيدة وصاحب ((العين))، فعلى هذا: أصل الهجود: النَّوم، ومعنى تهجَّدت: طرحتُ عنِّي النَّوم، وقال الطَّبريُّ: التَّهجُّد: السَّهر بعد نومه، نقله عن جماعةٍ مِن السَّلف، وقال ابن فارسٍ: المتهجِّد: المصلِّي ليلاً. انتهى.
          ثمَّ قال: النَّافلة في اللغةِ: الزِّيادة، فقيل: عبادةً زائدةً في فرائضك، وقيل: معناه: زائدةً لك خالصةً؛ لأنَّ تطوُّع غيره يُكفِّر ما على صاحبهِ من ذنبٍ، وتطوُّعه عليه السلام يقع خالصاً له لكونه لا ذنب عليه. انتهى ملخَّصاً، ويؤيِّده: ما رواه الطبرانيُّ بسندٍ ضعيفٍ عن ابن عبَّاسٍ: أنَّ النافلة للنبيِّ خاصةً؛ لأنَّه أُمِر بقيام اللَّيل وكُتِب عليه دون أُمَّته، لكن صحَّح النوويُّ أنَّه نُسِخ عنه التهجُّد كما نُسِخ عن أمَّته، قال: ونقله أبو حامدٍ عن النصِّ، وهو الأصحُّ أو الصَّحيح، ففي مسلمٍ عن عائشة ما يدلُّ عليه.