الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب قول النبي: نصرت بالرعب مسيرة شهر

          ░122▒ (بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صلعم: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ): والرُّعْب _بضم الراء وسكون العين المهملة_:الخوف (وَقَوْلِهِ ╡) ولأبي ذرٍّ: <وقول الله ╡>.
          ({سَنُلْقِي}): وعدٌ منه تعالى؛ أي: سنجعلُ ({فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا}): أي: بسببِ إشراكِهِم ({بِاللَّهِ}) وسقط لأبي ذرٍّ: <{بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ}>.
          قال المفسِّرون: يريد ما قذفَ في قلوبهم من الخوفِ يوم الأحزاب حتَّى تركوا القتالَ، وهرَبوا من غيرِ سبب، ولهذا كان له الفيءُ يضعُه حيث شاءَ؛ لأنه وصلَ إليه من قبل الرُّعب.
          تنبيه: قال ابنُ بطَّال نقلاً عن المهلَّب: قوله: ((نصرْتُ بالرُّعبِ)) هو شيءٌ خصَّه الله وفضَّله به، قال: ورأينا ذلك عياناً.
          أخبرنا أبو محمَّد الأصيلِي قال: افتتحنا برشلونةَ معَ ابنِ أبي عامر، ثم صحَّ عندنا بعد ذلك عمَّن أتي من القسطنطينية أنه لما اتَّصل بأهلهَا افتتاحنَا برشلونة بلغَ بهم الرُّعب إلى أن غلَّقوا أبواب القسطنطينية ساعةَ بلوغهِم الخبرَ بها نهاراً، وصَاروا على صورها، وهي على أكثرِ من شهرين، انتهى.
          (قَالَهُ جَابِرٌ): وسقطَ الضَّمير لغير أبي ذرٍّ، وهو راجعٌ إلى الحديثِ أو القولِ المذكورِ.
          وقال القسطلانيُّ: قاله؛ أي: نصرُه عليه السَّلام بالرُّعبِ، ولعلَّ ما قلناه أولى، فتدبَّر.
          (عَنِ النَّبِيِّ صلعم): وقد وصله المصنِّف في أول التيمم بلفظ: ((أعطيتُ خمساً لم يعطهنَّ أحدٌ قبلي، نصرتُ بالرعبِ مسيرةَ شهر...)) الحديث.
          وعند الطَّبراني: من حديث أبي أمامة: ((شهراً)) أو ((شهرين)) بالشَّك، وعنده أيضاً من حديث السَّائب بن يزيد: ((شهراً أمامِي، وشهراً خلفِي)).
          قال العينيُّ: وخصَّ بالشَّهرين؛ لأنَّ الله تعالى خصَّ نبينا بخصائص لم يشركْهُ فيها غيره، فكان الرُّعب في هذه المدَّة وإن حصلَ لسليمان عليه السلام في الريحِ غدوها شهر ورواحُها شهر، لكنْ نصر اللهُ تعالى له بالرُّعب مما خصَّه الله به، وليس المرادُ بالخصُوصية مجرَّد حصُول الرعب، بل هو وما ينشأُ عنه من الظَّفر بالعدوِّ، وإنما اقتصَر هنا على الشَّهر؛ لأنه لم يكن بينه وبين الممالك الكبَار التي حولهُ أكثر من ذلك كالشَّام والعراق واليمن ومصر.
          قال في ((الفتح)): ودلَّ حديث السَّائب على أنَّ الترددَ في الشَّهر والشَّهرين إمَّا أن يكون الراوي سمعَه كذلك، وإما لأنَّه لا أثرَ لتردُّده، وحديث السَّائب لا يُنافي حديث جابر، فافهم.