الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

حديث: هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك فتقوم

          2785- وبالسند قال: (حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ) سقطَ: <ابنُ منصُور> لأبي ذرٍّ، كذا في القسطلانيِّ، وقال في ((الفتح)): ((حدَّثنا إسحاقُ)) كذا للأكثرِ غير منسُوبٍ، وللأصيليِّ وابنِ عسَاكرَ: <حدَّثنا إسحاقُ بن منصُور> وأمَّا أبو عليٍّ الجيَّاني فقال: لم أرَهُ منسُوباً لأحدٍ، وهو إمَّا ابنُ راهويهِ، أو ابن منصُور، قال: (أَخْبَرَنَا عَفَّانُ) بفتحِ العينِ وتشديدِ الفَاء؛ أي: ابن مسلمٍ الصَّفَّار، قال: (حَدَّثَنَا هَمَّامٌ) بتشديدِ الميمِ الأولى؛ أي: ابن يحيى العوذِيُّ.
          قال: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ) بضمِّ الجيمِ وتخفيفِ الحاءِ المهملةِ، الأيامِيُّ الأزديُّ، قال: (أَخْبَرَنِي أَبُو حَصِينٍ) بفتحِ الحاء وكسرِ الصَّاد المهملتين، هو: عثمانُ بنُ عاصمٍ الأسديُّ (أَنَّ ذَكْوَانَ) بفتحِ الذالِ المعجمةِ، وهو الزيَّات (حَدَّثَهُ) أي: حدَّث أبا حصينٍ (أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ) قال في ((الفتح)): لم أقفْ على اسمهِ (إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلعم، فَقَالَ) أي: الرجلُ لرسولِ اللهِ (دُلَّنِي) بضمِّ الدالِ وفتحِ اللامِ المشدَّدة (عَلَى عَمَلٍ يَعْدِلُ) بكسرِ الدالِ المهملةِ؛ أي: يساوي (الْجِهَادَ) ويماثلُه (قَالَ) أي: رسولُ الله (لاَ أَجِدُهُ) يعني: لا أعرفُ العملَ الذي يماثلُ الجهادَ في الثوابِ لعدَمِ وجودِهِ.
          (قَالَ) أي: رسولُ اللهِ مستأنفاً (هَلْ تَسْتَطِيعُ إِذَا خَرَجَ المُجَاهِدُ أَنْ تَدْخُلَ مَسْجِدَكَ فَتَقُومَ وَلاَ تَفْتُرَ) بفتحِ الفوقيَّة الأولى وسكونِ الفاءِ وبضمِّ الفوقيَّة الثانيَّة (وَتَصُومَ وَلاَ تُفْطِرَ) بنصبِ الأفعالِ الأربعةِ عطفاً على ((تدخلَ)) المنصُوب بـ((أنْ)).
          (قَالَ) أي: الرجلُ لرسولِ الله (وَمَنْ يَسْتَطِيعُ ذَلِكَ) قال في ((الفتح)): في روايةِ أبي بكرِ بنِ أبي شيبةَ عن سفيانَ، قال: ((لا أستطيعُ ذلك)) قال: وفيهِ فضيلةٌ ظاهرةٌ للمُجاهدِ في سبيلِ اللهِ أنَّه لا يعدلُ الجهادَ شيءٌ، قال: وأمَّا ما تقدَّمَ في العيدين ولمسلمٍ من طريقِ سهيلِ بنِ أبي صَالح عن أبيهِ بلفظ: قيل: ما يعدلُ الجهادَ؟ قال: ((لا تستَطيعونَهُ)) فأعادُوا عليه مرَّتين أو ثلاثاً، كلُّ ذلك يقول: ((لا تستطيعونَهُ)) وقال في الثَّالثةِ: ((مثلُ المجاهدِ في سبيلِ اللهِ...)) الحديثَ، وأخرجَ الطَّبرانيُّ نحو هذا الحديث من حديثِ سهلِ بن معاذِ بنِ أنسٍ عن أبيهِ، وقال في آخرِه: ((لم يبلغِ العُشْرَ من عمَلهِ)).
          (قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ) ممَّا ذكرهُ أبو حصينٍ عن أبي صالحٍ هكذا موقُوفاً، وسيأتي بعدَ بضعةٍ وأربعين باباً في بابِ الخيلِ / ثلاثةٌ، عن أبي صالح من طريقِ زيد بنِ أسلمَ مرفُوعاً، ذكرهُ في ((الفتح)).
          وقوله: (إِنَّ فَرَسَ الْمُجَاهِدِ) بكسرِ همزةِ ((إن)) (لَيَسْتَنُّ) بفتحِ اللامِ والتَّحتية _وفي بعضِ الأصولِ فوقيَّة_ وتشديدِ النونِ، خبرُ ((إنَّ))، من الاستنانِ وهو العَدْوُ، وقال في ((الفتح)): أي: لتمرحَ بنشَاطٍ، وقال الجوهريُّ: هو أن يرفعَ يديهِ ويطرحهُمَا معاً، وقال غيرُه: أن يلجَ في عدوهِ مقبلاً أو مُدبراً، وفي المثلِ: استنَّتْ الفصَالُ حتى القَرْعَى، يضربُ لمن يتشبَّه بمَن هو فوقَهُ.
          وقوله: (فِي طِوَلِهِ) بكسرِ الطَّاء المهملةِ وفتحِ الواو، وهو الحبلُ الذي يشدُّ به الدَّابةُ ويمسَك طرفهُ ويرسلُ في المرعَى، وفي الطولِ لغاتٌ أخرَى؛ ففي ((القاموس)): التِّطْوَل كدِرْهَم _والطَّويل والطِّوَل والطِّيَل_ كعِنَب _فيهما_،وتشدَّد لامهمَا في الشِّعر، قيل: تشدُّ به قائمةُ الدَّابةِ، وتمسَكُ طرفُه وترسلها ترعَى، انتهى.
          وقوله: (فَتُكْتَبُ) بالمثنَّاة الفوقيَّة والتحتيَّة والبناءِ للمَجهولِ فيهما (لَهُ حَسَنَاتٍ) بالنصبِ على أنه مفعولٌ ثانٍ؛ أي: يكتبَ له الاستنان حسناتٍ، ونائبُ فاعل ((تُكتب)) ضميرٌ يرجعُ إلى الاستنانِ مصدرُ ((يستن)) المدلولُ عليهِ به.
          ومطابقةُ الحديثِ للترجمةِ في قوله: ((وإنَّ فرسَ المجاهدِ)) إلى قولهِ: ((فتكتبُ له حسنَاتٌ)) فإنَّه يدلُّ على فضلِ الجهَادِ.
          وأخرجَهُ النَّسائيُّ في الجهادِ.