الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب: الخيل لثلاثة

          ░48▒ (بابٌ): بالتَّنوين (الْخَيْلُ لِثَلاَثَةٍ): ((الخيل)) جمعٌ لا واحدَ له من لفظهِ، وجمعُه خيولٌ، وقال أبو عُبيدة: واحدُها خائلٌ، لكن ردَّه في ((المحكم)) بأنَّه / ليس بمعروفٍ، وقال ابنُ الأعرابيِّ: يُجمع أيضاً على أخيالٍ، وفي ((الاحتفال)) لأبي عبد الله بن رضوان: جاء الجمعُ أيضاً على أخيل، وإذا صغَّرت الخيلة، قلت: خُيَيلة، ويجوز حذف التَّاء، والخَول _بالفتح_:جماعةُ الخيلِ.
          قال في ((الفتح)): هكذا اقتصرَ على صدرِ الحديثِ وأحالَ بتفسيره على ما وردَ فيه، وقد فهم بعض الشُّرَّاح منه الحصر فقال: اتِّخاذ الخيلِ لا يخرجُ عن أن يكون مطلوباً أو مباحاً أو ممنوعاً، ويدخلُ في المطلوبِ الواجبُ والمندوبُ، ويدخل في الممنوعِ المكروهُ والحرامُ بحسبِ اختلاف المقاصدِ، واعترض بعضُهم بأنَّ المباح لم يُذكَر في الحديث؛ لأنَّ القسمَ الثاني الذي يتخيَّل فيه ذلك جاء مُقيَّداً بقوله: ولم ينسَ حقَّ الله فيها، فيلتحقُ بالمندوبِ.
          قال: والسِّرُّ فيه أنَّه صلعم إنَّما يعتني غالباً بذكرِ ما فيه حضٌّ أو منعٌ، وأمَّا المباحُ الصَّرف فيُسكَت عنه لما عرفَ أنَّ سكوتُه عنه عفوٌ، قال: ويُمكِن أن يقالَ: القسم الثاني في الأصلِ هو المباحُ، إلَّا أنه ربَّما ارتقَى إلى النَّدبِ بالقصدِ، بخلافِ القسم الأوَّل، فإنَّه من ابتدائهِ مطلوبٌ، انتهى فتأمَّل.
          (وَقَولُ اللهِ ╡): برفعِ قوله، ولغير أبي ذرٍّ: <وقوله تعالى> أي: في أوَّل سورة النِّحل: ({وَالْخَيْلَ}): بالنصب عطفٌ على {الْإِنْسَانَ} أو {الْأَنْعَامَ} في قوله تعالى: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ} [النحل:4] الآيتين، واقتصرَ البيضاويُّ على عطفهِ على {الْأَنْعَامَ}.
          ({وَالْبِغَالَ}): جمع بغلٍ، قال في ((القاموس)): البغلُ معروفٌ، والجمعُ بغالٍ وبغولاً اسم الجمعِ، والأنثى بهاءٍ، انتهى، وله كُنًى كثيرةٌ، منها: أبو الحرون وأبو ملعون، ويقال له: ابنُ ناهقٍ؛ لأنه مركَّبٌ من الحمَار والفرسِ، قاله الدميريُّ.
          ({وَالْحَمِيرَ}): تقدَّم أنَّه جمع حمارٍ ({لِتَرْكَبُوهَا}): متعلِّق بـ{خَلَقَ} علَّة له ({وَزِينَةً}): مفعول مطلق لمحذوفٍ؛ أي: ولتتزيَّنوا بها زينةً، أو عطف على محلِّ {لِتَرْكَبُوهَا} فهو مفعولٌ لأجله، قال البيضاويُّ: وتغيير النَّظم؛ لأنَّ الزِّينة بفعلِ الخالق والرُّكوب ليس بفعلهِ، ولأنَّ المقصودَ من خلقها الرُّكوب، وأمَّا التَّزيين فحاصلٌ بالعرضِ، قال: وقُرِئ بغير واوٍ، وعلى هذا يحتملُ أن يكونَ علَّة {لِتَرْكَبُوهَا} أو مصدراً في موقعِ الحال من أحد الضَّميرين؛ أي: متزيِّنين أو متزيِّناً بها، واستدلَّ بها على حرمةِ لحومِها، ولا دليلَ فيها؛ إذ لا يلزمُ من تعليلِ الفعلِ بما يقصدُ منه غالباً ألَّا يُقصَد منه غيره أصلاً، ويدلُّ عليه أنَّ الآيةَ مكِّيَّة، وعامَّة المفسِّرين والمحدِّثين على أنَّ الحُمُر الأهليَّة حرِّمَتْ عامَ خيبرَ، انتهى.
          والقولُ بتحريم أكلِهَا هو مذهبُ مالكٍ وأبي حنيفة، ووقعَ لأبي ذرٍّ زيادة: <{وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}>، قال البيضاويُّ: لمَّا فصَّل الحيوانات التي يُحتاجُ إليها غالباً احتياجاً ضروريًّا أو غير ضَروريٍّ أجملَ غيرها، قال: ويجوزُ أن يكون إخباراً بأنَّ له من الخلائقِ ما لا عِلمَ لنا به، وأن يرادَ به ما خلق في الجنَّة والنَّار ممَّا لم يخطر على قلب بشرٍ، انتهى.
          والمرادُ من الآيةِ كما في ((الفتح)) أنَّ اللهَ خلقَ هذه الثَّلاثة للرُّكوب والزِّينة، فمَن استعملها في ذلك فعل ما أُبيحَ له، فإن اقترنَ بفعلهِ قصدَ طاعةً ارتقَى إلى النَّدبِ، أو قصْدَ معصيةٍ حصلَ له الإثمُ، قال: وقد دلَّ حديثُ البابِ على هذا التَّقسيم.