الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

[كتاب الوتر]

          ♫
          ░░14▒▒ أَبْوَابُ الوِتْرِ
          ░1▒ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، أَبْوَابُ الوِتْرِ) قال في ((الفتح)): كذا عند النَّسفيِّ، وفي بعض النُّسخ عند المستملي، وعند الباقين: <باب ما جاء في الوتر>، وسقطت البسملةُ لابن شبويه والأصيليِّ وكريمة؛ لكن جعل القسطلانيُّ البسملة مؤخَّرةً عن <أبواب الوتر> بالجمع في رواية أبي ذرٍّ عن المستمليِّ.
          ثمَّ قال: ولأبي الوقت ممَّا في الفرع: <بسم الله الرحمن الرحيم، كتاب الوتر>.
          قال في ((الفتح)): الوِتر بالكسر: الفردُ، وبالفتح: الثَّأر، وفي لغةٍ مترادفان، انتهى.
          وأقول: مفهومهُ: أنَّ التَّرادُف خلافُ الأكثر مع أنَّه المعروف.
          وقال البيضاويُّ: هما لغتان، وقرأ حمزةُ والكسائيُّ: {وَالوِتْرِ} [الفجر:3] بكسر الواو.
          وقال في ((القاموس)): الوتر _ويفتح_: الفردُ أو ما لم يشفعْ من العددِ ويوم عرفة، ووادٍ باليمامة، والدَّخل، أو الظُّلم فيه كالترة، والوتيرة، وترهُ يترهُ وتراً وتِرة، جعل شفعهم وتراً كأوترهم، والرَّجلُ أفزعه وأدركه بمكروهٍ، وأوترهُ ماله: نقصه، انتهى.
          وقال في ((الصحاح)): الوِتر _بالكسر_: الفردُ، والوَتر _بالفتح_: الدَّخل هذه لغةُ أهل العالية، فأمَّا لغة أهل الحجاز فبالضِّدِّ منهم، وأما تميمٌ فبالكسر فيهما، انتهى.
          هذا، وقال في ((الفتح)): لم يتعرَّض / البخاريُّ لحكمه، لكن إفرادهُ بترجمةٍ عن أبواب التَّهجُّد والتَّطوُّع يقتضي أنَّه غير ملحقٍ بها عنده، ولولا أنَّه أورد الحديث الذي فيه إيقاعهُ على الدابَّة لكان في ذلك إشارةٌ إلى أنَّه يقول بوجوبه، ثمَّ قال نقلاً عن ابن التين: اختلف في الوتر في سبعة أشياءَ: في وجوبه، وعدده، واشتراط النِّيَّة فيه، واختصاصهِ بقراءةٍ واشتراط شفعٍ قبله، وفي آخر وقته وصلاته في السَّفر على الدَّابَّة، انتهى.
          ثمَّ زادَ عليه: وفي قضائه، والقنوت فيه، وفي محلِّ القنوت منه، وفيما يقال فيه، وفي فصله ووصله، وهل تسنُّ ركعتان بعده وفي صلاته عن قعودٍ؛ لكن هذا ينبني على كونه مندوباً أو لا، واختلفوا أيضاً في أوَّل وقته، وفي كونه أفضل صلاة التَّطوُّع، أو الرَّواتب أفضل منه أو خصوصُ ركعتي الفجر، وترجم البخاريُّ لبعض ما ذكرنا، ويأتي الكلامُ على ما لم يترجم له في أثناء الكلام على أحاديث الباب، انتهى ملخَّصاً.
          أما وجوبهُ، وعدمه، فالجمهور على أنَّه سنَّةٌ، ومنهم الشافعيَّة لحديث: هل عليَّ غيرها؟ قال: ((لا إلَّا أن تطوع)) وقال الحنفيَّةُ بوجوبه لخبر أبي داود بسندٍ صحيحٍ: ((الوترُ حقٌّ على كلِّ مسلمٍ)).
          قال شيخُ الإسلام: وأجيب: بأنَّ قوله: ((حق)) ليس بمعنى واجبٌ في عرف الشَّارع، ولو سلم، فالصَّارفُ له خبر: ((هل عليَّ غيرها؟)) السَّابق، وقوله تعالى: {وَالصَّلَاةِ الوُسْطَى} [البقرة:238]، إذ لو وجب لم يكُن للصَّلوات وُسْطى، وقوله عليه السلام لمعاذٍ لما بعثهُ إلى اليمن: ((فأعلمهُم أنَّ الله افترَضَ عليهم خمسَ صلواتٍ في كلِّ يومٍ وليلة))، انتهى.
          ويمكنُ المناقشة في الاستدلال بما ذكر، فتأمَّل.
          وقال ابن رجبٍ: أكثرُ العلماء على أنَّه مستحبٌّ، وهو قول مالكٍ والشَّافعيِّ وأحمد وإسحاق، وغيرهم، وروي عن عليٍّ وعبادة بن الصَّامت، وروي عن أبي أيُّوب: أنَّه واجبٌ، وعن معاذٍ من وجهٍ منقطعٍ، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، وأبي بكر بن جعفرٍ من أصحابنا ذكرهُ في ((التنبيه)) مع أنَّه صرَّح في ((الشافي)) بأنَّه ليس بواجبٍ، وليس هو بفرضٍ كالصلوات الخمس بلا خلافٍ، وسبق الكلام فيه في كتاب الإيمان عند سؤال الأعرابيِّ له: هل عليَّ غيرها؟ قال: ((لا، إلا أن تطوَّع))، وذكرنا قول من قال: الوتر واجبٌ على أهل القرآن دون غيرهم، وأنَّه يرجع إلى القول بوجوب قيام شيءٍ من اللَّيل على أهل القرآن خاصَّةً.
          وعن الحسنِ وابن سيرين وعبيدة السَّلمانيِّ: لا بدَّ من قيام اللَّيل، ولو قدر حلب شاةٍ، وفيه حديثٌ مرفوعٌ، ولا يصحُّ، ومن المتأخِّرين من قال: من صلَّى بالليل تهجُّداً وجبَ عليه أن يوتره، ويجعلَ آخره وتراً لحديث ابن عمر: ((ومن لم يتهجَّدْ فلا وِترَ عليه))، وقال أحمد: من تركَ الوتر فهو رجلُ سُوءٍ هو سنَّةٌ سنَّها رسول الله صلعم، انتهى.