الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب ما يكره من التنازع والاختلاف في الحرب وعقوبة من عصى إمامه

          ░164▒ (باب مَا يُكْرَهُ) أي: بيانِ ما يكرَهُ (مِنَ التَّنَازُعِ) بيانٌ لـ((ما))، و((يُكرَهُ)) مبنيٌّ للمفعول (وَالاِخْتِلاَفِ فِي الْحَرْبِ) متعلِّقٌ بأحدِ المصدرَينِ على التنازُعِ، والثاني منهما مفسِّرٌ للأولِ، وهو المخاصَمةُ والمجادَلةُ في أحوالِ الحربِ، بأن يذهَبَ كلُّ واحدٍ منهما إلى رأيٍ غيرِ رأيِ الآخَرِ (وَعُقُوبَةِ) بالجرِّ (مَنْ عَصَى إِمَامَهُ) أي: بالفِرارِ وغيرِه.
          تنبيه: ما ذكرناهُ من أنَّ الاختلافَ تفسيرٌ للتنازُعِ هو ما في ((التَّوضيحِ)) لابنِ الملقِّنِ، لكن اعترضَه العينيُّ فقال: ليسَ الأمرُ كذلك؛ لأنَّه يلزَمُ عطفُ الشيءِ على نفسِهِ في الترجمةِ، وليس بعطفِ بيانٍ؛ لأنَّ التنازُعَ معلومٌ، فلا يحتاجُ إلى البيانِ، ثمَّ ذكرَ ما ذكرناهُ، وقال: والاختِلافُ سببُ الهلاكِ في الدُّنيا والآخرةِ.
          (وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى) ولأبي ذرٍّ: <╡> / بدلَ: ((تعالى))؛ أي: في أواخرِ الأنفالِ ({وَلاَ تَنَازَعُوا}) مجزومٌ بـ{لا} الناهيةِ، وأصلُه: تتنازَعُوا، فحُذفت إحدى التاءَين تخفيفاً؛ أي: ولا تَنازعوا باختِلافِ الآراءِ، كما فعلتُم ببدرٍ وأُحدٍ ({فَتَفْشَلُوا}) منصوبٌ في جوابِ النَّهيِ، وقيل: عطفٌ على: {تَنَازَعُوا}، فيكونُ مَجزُوماً، ولذلك قُرئَ ({وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}) بالجزم، و{تَفْشَلُوا} بمعنى: تجبُنوا.
          ففي ((المصباح)): فَشِلَ فَشَلاً، فهو فَشِلٌ، من بابِ: تَعِبَ، وهو الجَبانُ الضَّعيفُ القَلبِ.
          و{رِيحُكُمْ}: قال البيضاويُّ: مستَعارةٌ للدَّولةِ من حيثُ إنها في تمشِّي أمرِها ونفاذِها مشبَّهةٌ بالرِّيحِ في هُبوبِها، وقيل: المرادُ بها الحقيقةُ، فإنَّ النُّصرةَ لا تكونُ إلا بريحٍ يبعَثُها اللهُ تعالى، وفي الحديثِ: ((نُصرتُ بالصَّبا، وأُهلكَت عادٌ بالدَّبُورِ)).
          (وقَالَ قَتَادَةُ) أي: ابنُ دِعامةَ فيما وصلَه عبدُ الرزاقِ في ((تفسيرِه))، وسقطَتْ واو: <وقال> من أكثرِ الأصولِ (الرِّيحُ الْحَرْبُ) وسقَطَ لأبي ذرٍّ: <قال قَتادةُ>.
          وقال شيخُ الإسلامِ: {وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}؛ أي: قوَّتُكم ودَولتُكم، وقيل: حَربُكم، وهما متلازِمانِ، وكلٌّ منهما مَجازٌ، وقد ذكرَ الثانيَ عن قتادةَ بقوله: الرِّيحُ: الحربُ، وفي نسخةٍ بدَلَه: <يعني: الحربَ>، انتهى.
          ووقَعَ في ((الفتحِ)) هكذا: <{وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} يعني: الحربَ> كذا لأبي ذرٍّ، وقولُه: <يعني: الحربَ> للكُشمهينيِّ وحدَه، ووقَعَ في روايةِ الأصيليِّ في هذا الموضِعِ: <قال قتادةُ: الريحُ: الحربُ>، انتهى.
          ومثلُه في ((العمدةِ)) غيرَ أنَّه لم ينسُبْ لأبي ذرٍّ هنا روايةً، ولعلَّها أَولى؛ إذ كيف ينسُبُها للأصيليِّ وحده مع أنه ينسُبُها لأبي ذرٍّ؟ فتأمَّل.