الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب دعوة اليهودي والنصراني وعلى ما يقاتلون عليه

          ░101▒ (باب دَعْوَةِ) أي: جواز بل ندب بل وجوب دعاء (الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ) أي: إلى الإسلام، والمرادُ جنسهما فتوافقُ رواية أبي ذرٍّ بالجمع (وَعَلَامَ يُقَاتَلُونَ) بالبناء للمفعول، وما استفهامية مجرورة، ولذا حذفت ألفها في كثيرٍ من الأصول، ويحتملُ أنها موصُولة أو نكرة موصُوفة (عَلَيْهِ) أي: على الإسلام، وهذا الجار والمجرور بدلٌ من الجار والمجرور قبله المعطوف على دعوة / لكن عليه يقتضِي تنوين باب بالنسبة للمعطُوف، فلعلَّ المناسب تعلُّقه بباب آخر مقدَّر منوناً، فتدبَّر.
          (وَمَا كَتَبَ) أي: وباب بيان ما كتبَ (النَّبِيُّ صلعم إِلَى كِسْرَى) بكسر الكاف وقد تفتحُ ملك الفرس معرَّب؛ أي: واسع الملك، والجمع: أَكَاسِرة وكَاسِرة وأَكَاسِر وكُسُور، والقياس كسرون كعينون، والنسبة كسرى وكسروي، كذا في ((القاموس)).
          (وَقَيْصَرَ) بفتح القاف والصاد المهملة بينهما تحتية ساكنة، لقبُ هرقل ملك الروم، ومعناه في لغتهم البقير؛ لأن أمَّه ماتتْ وهو في بطنِها فبقَرُوا بطنَها لأجلهِ وأخرجُوه، وكان يفتخِرُ به لكونه لم يخرجْ من فرج.
          (وَالدَّعْوَةِ قَبْلَ الْقِتَالِ) هذا هو الجزءُ الرابع من الترجمةِ؛ أي: وباب بيان دُعاء الإمام الكفَّار إلى الإسلام قبل القتال، والدَّعوة: بفتح الدال المهملة وبتاء تأنيث آخره، في القتال، وبالضم في الوليمةِ، وبالكسر في النسب، قاله العيني.
          لكن قال في ((القاموس)): دعوتُ زيداً وبزيد سمَّيتُه به، وادَّعى كذا: زعمَ له حقًّا أو باطلاً، والاسم: الدَّعوة، والدَّعاوة، ويُكْسَران، والدَّعوة إلى الطَّعام، ويضم كالمَدْعَاة، وبالكسر: الادعاء في النسب، انتهى.
          قال في ((الفتح)): كأنه يشيرُ به إلى حديث ابنِ عونٍ في إغارة النَّبي صلعم على بني المصْطَلق على غرِّة وهو مخرجٌ عنده في كتابِ الفتن، قال: وهو محمولٌ عند من يقول باشتراط الدُّعاء قبل القتال على أنه بلغتهم الدَّعوة، وهي مسألةٌ خلافيَّة، فذهب طائفةٌ منهم عمر بن عبد العزيز إلى اشتراط الدعاء إلى الإسلام قبل القتال.
          وذهبَ الأكثر إلى أن ذلك كان في بدء الأمر قبلَ انتشار دعوةِ الإسلام، فإن وجدَ من لم تبلغْه الدَّعوة لم يقاتل حتى يدعى نصَّ عليه الشَّافعي.
          وقال مالك: من قربَتْ دارهُ قُوتل بغير دعوةٍ لاشتهارِ الإسلام، ومَن بعدَتْ دارهُ فالدَّعوة أقطع للشكِّ، وروى سعيد بن منصُور بإسنادٍ صحيحٍ عن أبي عثمان النَّهدي أحد كبارِ التَّابعين قال: كنَّا ندعوا وندع وهو منزل على الحالين المتقدِّمين، انتهى.