الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب قتال الترك

          ░95▒ (بَابُ قِتَالِ التُّرْكِ) وفي بعضِ الأصُول: <التتر> بمثناتين فوقيتين مفتوحتين فراء، بدل: ((الترك)) من إضافة المصدر إلى مفعوله بعد حذف فاعله؛ أي: باب بيان قتال المسلمين الترك، وهو من أشراطِ الساعة، كما أخبرَ بذلك النَّبيُّ عليه الصَّلاة والسَّلام، والتُّرْك _بضم الفوقية وسكون الراء_:جيلٌ من الناس، والجمع: أتراك، والواحد: تركي، مثل: رُوْم ورُومِي، قاله في ((المصباح)).
          وهم كما قال الخطَّابي: بنو قنطورا _بالمد_ اسم جاريةٍ كانت لإبراهيم الخليل عليه الصَّلاة والسَّلام ولدتْ له أولاداً من نسلهم الترك، وقال كُراع: التركُ هم الدَّيْلَم، وتُعُقِّبَ بأن الدَّيْلَم جنسٌ من التركِ، وكذلك الغزو.
          قال ابنُ عبد البر: التركُ من أولاد يافث، وهم أجناسٌ كثيرةٌ منهم أصحابُ مدنٍ وحصُونٍ، ومنهم قومٌ في رؤوس الجبالِ والبرَاري لا عملَ لهم غالباً إلا الصَّيْد ومن لم يصدْ منهم ليقطع أوداجَ دابَّته ويجعلها في مصرات ويأكلون الرخم والغربان وغير ذلك ممَّا دبَّ ودرَجَ، وليس لهم دينٌ بل أكثرهٌم ينتحلُ المجوسيَّة، ومنهم من ينتحلُ اليهوديَّة، وملكهم يلبسُ الحريرَ وتاج الذَّهب، ويحتجبُ كثيراً وفيهم سحرةٌ.
          وقال وهب بنُ منبِّه: التركُ بنو عمِّ يأجوج ومأجوج كانوا غائبين حين بنى ذو القَرْنين السدَّ، فلم يدخلوه مع قومهم، فلذا سمُّوا التركَ، وقيل: أصلهم جميعاً أو بعضاً من حمير، وقيل: إنهم من بقايا تبَّع، فلذا كانوا يسمُّون أولادَهُم بأسماء العربِ، فلذا يزعمون أنهم من العرب لكن ألسنتُهم أعجميَّة، / وبلدانهم غير عربية؛ لأنَّهم دخلوا بلاد العجمِ فاستعجموا، وقيل: التركُ من ولد أفريدون بن سام بن نُوح عليه السَّلام، وسموا بذلك؛ لأن عبد شمس بن يَشْجَب لمَّا وطئَ أرضَ بابل أتى بقومٍ من أحامرةِ ولد يافث، فاستنكرَ خلقهم ولم يحب أن يدخلَهم في سبي بابلٍ فتركهم، وقال: اتركوهُم.
          وقال صاعدٌ في ((الطبقات)): أمَّا الترك فأمَّة كثيرةُ العددِ، فخمَةُ المملكَةِ، ومساكنهم ما بين مشارقِ خراسان من مملكةِ الإسلام وبين مغاربِ الصِّين، وشمالِ الهندِ إلى أقصَى المعمور في الشَّمال وفضيلتهم التي تميَّزوا فيها وأحرَزُوا قصبَ السَّبْق فيها الحروب ومعالجة آلاتها.
          وقال العينيُّ: التركُ والصِّين والصَّقَالبة ويأجوجُ ومأجوجُ من ولد يافث بن نوح باتفاقِ النَّسَّابين، وكان ليافث سبعة أولاد أحدهم، اسمه: كومي بن يافث، كلهم من بنيه، ويقال: التركُ هو: ابنُ يافث لصلبهِ، وهم أجناسٌ كثيرةٌ، ذكرناهُم في ((تاريخنا الكبير)).
          وقال المسعودِي في ((مروج الذهب)): في التركِ استرخاءٌ في المفاصِلِ، واعوجَاجٌ في سيقَانهم، ولينٌ في عظامِهِم حتى إنَّ أحدَهُم ليرمِي بالنَّشَّاب من خلفهِ كرميهِ من قدَّامه، فيصيرُ قفاهُ كوجههِ، ووجهُه قفَاهُ، انتهى.