الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب التحريض على القتال

          ░33▒ (بابُ التَّحْرِيضِ): بالحاء المهملة والضَّاد المعجمة، مصدر حرَّضه بتشديد الراء بمعنى: حثَّه كما في ((القاموس))، وهو الطَّلب بحثٍّ وإزعاجٍ (عَلَى الْقِتَالِ): متعلِّق بـ((التحريض)) (وَقَوْلِهِ تَعَالى): بالجرِّ والرفع، ولأبي ذرٍّ: <╡> أي: في أواخر سورة الأنفال ({حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ}): وتمام الآية: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} [الأنفال:65].
          قال البيضاويُّ: أي: بالغ في حثِّهم عليه، وأصلُه: الحرض، وهو أن يُنهكه المرضُ حتَّى يُشرِف على الموت، وقُرِئَ: ▬حرص↨ من الحرصِ، انتهى، ولو قال: من التَّحريصِ لكانَ أَولى.
          ({إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا}) قال البيضاويُّ: شرط في معنى الأمرِ بمصَابرةِ الواحدِ للعشرةِ، والوعدُ بأنَّهم إنْ صَبروا غَلبُوا بعونِ اللهِ وتأييدِهِ، وقرأَ ابنُ كثير ونافعٌ وابن عامر: ▬تكن↨ بالتَّاء في الآيتين، ووافقَهُم البصريَّان في: {وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ} بأنَّهم قومٌ لا يفقهونَ؛ أي: بسببِ أنَّهم جهلةٌ باللهِ واليومِ الآخرِ لا يثبتونَ ثباتَ المؤمنين رجاءَ الثَّواب وعوَالي الدَّرجاتِ، قَتَلوا أو قُتِلوا، أو لا يستحقُّون من اللهِ إلَّا الهوانَ والخُذْلان، انتهى.
          تنبيهٌ: في هذه الآيةِ الاحتباكُ؛ لأنَّه أثبتَ في الجمْلةِ الأولى {صَابِرُونَ} وحذفه من الثَّانيةِ، وأثبَتَ في الثَّانيةِ {مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} وحذفَه من الأُولى، أشارَ إليه في ((البحر))، وهاتانِ الآيتَانِ منسُوختَانِ بما بعدَهُما.