الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

[كتاب مواقيت الصلاة]

          ░░9▒▒ (كِتَابُ مَوَاقِيْتِ الصَّلَاةِ، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ): كذا في رواية أبي ذر وللمستملي كذلك على ما في ((فتح الباري))، وبتقديم البسملة على ما قال القسطلاني، وفي رواية الحموي والكشميهني كنسخة الصاغاني: تقديم البسملة وبعدها: <باب مواقيت الصلاة وفضلها>، وكذا لكريمة لكن بلا بسملة، وكذا للأصيلي لكن بلا <باب>.
          وفي ((فرع اليونينية)) كأصلها: عزو الأولى لأبي ذر عن المستملي، وفي بعض النسخ المعتمدة تقديم البسملة، ويليها هكذا: (كتاب مواقيت الصلاة، يعني: مؤقتة عليهم، باب مواقيت الصلاة وفضلها) وهي أنسب الجميع؛ لأن فيها تقديم البسملة المطلوب تقديمها على أمر ذي بال، مع تأخير الباب عن الكتاب، على مقتضى عادتهم الغالبة من إيراد الباب بعد الكتاب، لكن في تقديم: (يعني: مؤقتة عليهم) على الآية ما لا يخفى من عدم المناسبة الواضحة. وتقدم معنى الكتاب والصلاة أول كتاب الصلاة، ومعنى الباب أول شرح هذا ((الصحيح)) مستوفى.
          وقول العيني: ولما فرغ من بيان الطهارة بأنواعها التي هي شرط الصلاة شرع في بيان الصلاة بأنواعها التي هي المشروطة، والشرط مقدم على المشروط. انتهى. لا يخفى ما فيه لتقدم الصلاة.
          والمواقيت: جمع ميقات _مفعال_ وأصله: موقاة من الوقت، فأعل بالإبدال، من وقت الشيء يقته كوعده يعده: إذا بين حده، وجعل له وقتاً يختص به، وكذا وقَّته _بالتشديد_ توقته وتوقيتاً، ثم اتسع فيه فأطلق أيضاً على المكان كما في مواقيت الحج والعمرة حتى صار حقيقة عرفية، بل قد جرى كثيرون على أنه حقيقة لغة في الزمان والمكان.
          وقال السفاقسي: الميقات: هو الوقت المضروب للفعل والموضع. انتهى.
          (وَقولِ اللَّهِ ╡): بالجر، ويجوز الرفع كما في بعض الأصول المعتمدة ووجههما ظاهر وللأصيلي: <وقوله ╡> ({إِنَّ الصَّلَاةَ}): أي: الشرعية ({كَانَتْ عَلَى المُؤْمِنِينَ}): أي: واجبة على المكلفين ({كِتَاباً}): أي: مكتوباً مفروضاً ({مَوْقُوتاً}): أي: موجباً مفروضاً، قاله ابن عباس ووافقه مجاهد كما سيأتي، وعليه فـ({مَّوْقُوتًا}) مؤكد لـ({كِتَاباً} [النساء:103]).
          وقال غيره: محدوداً فلا يجوز / إخراجها عن وقتها الشرعي بغير عذر شرعي في حال من الأحوال، حتى في حال الخوف والتحام الحرب، فليس بعذر شرعي في إخراجها عن وقتها.
          خلافاً لأبي يوسف ☼ فإنه يقول: المحارب معذور في تركها إلى أن يطمئن فيصليها قضاءً، وصلاة الخوف في الآية خاصة عنده بالنبي صلعم لخطابه فيها.
          وما في البيضاوي تبعاً لـ((الكشاف)) من نسبتها لأبي حنيفة، فعلى التجوز أو لعله قول له، فافهم، وسيأتي الكلام مستوفى في باب صلاة الخوف.
          وروى القاضي إسماعيل في (أحكامه) في هذه الآية من طريق حمران عن عثمان مرفوعاً: (من علم أن الصلاة عليه يقيناً مكتوباً دخل الجنة).
          وقوله: (مُوَقَّتَاً وَقَّتَهُ عَلَيْهِمْ): كذا في أكثر الأصول، وسقط من بعضها: (موقتاً)، فعلى إثبات (موقتاً) يكون قوله: (وقته عليهم): تفسيراً له أو لـ({مَّوْقُوتًا})، قاله في (المنحة).
          وقال في ((الفتح)): والظاهر: أن المصنف أراد بقوله: (موقتاً): بيان أن قوله: ({مَّوْقُوتًا}): من التوقيت، فقد جاء عن مجاهد في معنى قوله: {مَّوْقُوتًا}: قال: مفروضاً، وعن غيره: محدوداً.
          وقال (صاحب المنتهى): كل شيء جعل له حين وغاية فهو موقت، يقال: أقته ليوم كذا: أجله. انتهى.
          واعترضه العيني: بأنه كلام واه إذ ليس في لفظ: ({مَّوْقُوتًا} [النساء:103]) إبهام حتى يبينه بقوله (موقتاً). انتهى.
          ويدفع: بأن ({مَّوْقُوتًا}) كما ذكره جاء بمعنى مفروضاً وبمعنى محدوداً، بل نقله العيني أيضاً عن مجاهد وغيره، والمراد: الثاني لئلا يتكرر مع كتاباً وهذا منه في الحقيقة اعتراض على البخاري أيضاً كما لا يخفى على المصنف.
          هذا ونقل ابن رجب في ((شرحه)) معنى غريباً فقال: وقال الشافعي: الموقوت _والله أعلم_ الوقت الذي يصلى فيه، وعددها. انتهى
          ولعل أخذ العدد فيه بضرب من التجوز.
          واستشكل ابن التين تشديد القاف من (وقَّته) فقال: رويناه عن البخاري بالتشديد، والمعروف في اللغة: التخفيف.
          وأجيب: بأن صاحب ((المحكم)) وغيره نقل فيه التخفيف والتشديد، لا يقال: مراد ابن التين بكون المعروف في اللغة التخفيف: أن ذلك هو المشهور فيها فلا ينافي جواز التخفيف بقلة؛ لأنه خلاف المفهوم من كلامه على أنه غير مسلم له قلة التشديد لذكرهما في كتب اللغة كثيراً.