الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب الغدوة والروحة في سبيل الله وقاب قوس أحدكم من الجنة

          ░5▒ (باب الغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أي: باب بيانِ فضلِ الذَّهاب في هذين الوقتينِ لجهادِ الكفَّار، والغَدْوة _بفتحِ الغينِ المعجمَةِ وسكونِ الدالِ المهملةِ_:المرَّة الواحدة، من الغدوِّ كجلوسِ، وهو الخروجُ في أيِّ وقتٍ كان من أوَّل النهارِ إلى انتصَافهِ، والرَّوْحةُ _بفتحِ الراء وسكونِ الواو_:المرة الواحدة من الرَّواح _بفتحِ الراء_ وهو الخروجُ في أيِّ وقتٍ كان من زوالِ الشَّمسِ إلى غروبها، كذا في الشُّراح، ويقربُ منه كلام ((القاموس)) فإنه قال: الغُدوة _بالضمِّ_:البكرةُ، أو ما بين صلاة الفجرِ وطلوعِ الشَّمسِ كالغدَاة والغديَّة، والجمْعُ: غدواتٍ وغديَّات وغُدوة، ولا يقال: غدايا إلَّا مع عشَايا، انتهى.
          وقال أيضاً: الرَّواحُ: العشيُّ، أو من الزَّوال إلى اللَّيل، انتهى.
          لكن في ((المصباح)) ما يُخالفُ ذلك حيث قال: راح يروحُ رَواحاً وتروَّح مثله يكون بمعنى: الغدو، وبمعنى: الرُّجوعِ، وقد طابقَ بينهمَا في قوله تعالى: {غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ} [سبأ:12] أي: ذهَابها ورجُوعها، وقد يتوهَّم بعضُ الناس أن الرَّواحَ لا يكون إلَّا في آخرِ النهارِ، وليسَ كذلك، بل الرَّواحُ والغدوُّ يستعملان عند العربِ في المسيرِ؛ أي: وقتَ كان من ليلٍ أو نهارٍ، قاله الأزهريُّ وغيره، وعليه قوله عليه الصَّلاة والسَّلام: ((مَن راحَ إلى الجمعةِ في أوَّل النهارِ فله كذا)) أي: من ذهبَ، انتهى بحروفِهِ.
          لكنَّه قالَ بعدَ ذلك في ((راح)): قال ابنُ فارسٍ: الرَّواحُ: رَواحُ العشيِّ، وهو مِن الزَّوال إلى الليلِ، ثمَّ قالَ في غدَا: غدَا غدوًّا، من بابِ قعدَ: ذهبَ غدوةً، وهي / ما بين صلاةَ الصُّبحِ وطلوعِ الشَّمس، انتهى فتأمَّله.
          (وَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ) في بعضِ الأصُولِ: ((في الجنَّة)) ونسبهَا القسطلانيُّ لأبي ذرٍّ عن الكُشميهنيِّ، بجرِّ <قاب> عطفاً على ((الغدوة)) المجرورِ بالإضافةِ، وبالرفعِ على الاستئنافِ، والقابِ: بقافٍ فألف فموحَّدة، معناهُ: القدرُ، وكذلك القِيْد: بكسرِ القافِ بعدها تحتيَّة ساكنةٌ ثم دالٌ، وبالموحَّدة بدل الدالِ، ويقال فيه أيضاً: القاد، وقيل: القابُ، ما بين مقبضِ القوسِ وسِيَتِه، وقيل: ما بينَ الوترِ والقوسِ، وقيل: المرادُ بالقَوسِ هنا الذِّراعُ الذي يقاسُ به، وكان المعنى بيان فضْلِ قدرِ الذِّراعِ من الجنَّة.