الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب سفر الاثنين

          ░42▒ (بابُ سَفَرِ): بفتحتين؛ أي: جوازُ مسافرةِ (الاِثْنَيْنِ): أي: الشَّخصين معاً، فلا يُكره ذلك كالواحدِ أيضاً المشار إليه في البابِ السَّابق، وليس المرادُ سفر يوم الاثنين كما ظنَّه الدَّاوديُّ، ثمَّ اعترضَ على البخاريِّ بأنَّه ليسَ في حديثِ الباب ذِكْرُ يوم الاثنين، وإنَّما هو في حديثِ الثَّلاثة الذين تخلَّفوا عن غزوةِ تبوك.
          وقال في ((الفتح)): وكأنَّ المصنِّف لمَّح لضعفِ الحديثِ الواردِ في الزَّجر عن سفرِ الواحدِ والاثنين، وهو ما أخرجَه أصحابُ ((السُّنن)) من رواية عَمرو بن شعيبٍ عن أبيهِ عن جدِّه مرفوعاً: ((الرَّاكبُ شيطانٌ، والرَّاكبانِ شيطانان، والثَّلاثة ركبٌ))، لكنَّ الحديث حسنُ الإسنادِ، بل صحَّحه ابنُ خُزيمة، وكذا الحاكمُ، وأخرجَه من حديثِ أبي هُريرة وصحَّحَه، وترجمَ له ابنُ خُزيمة بباب النَّهي عن سفرِ الاثنين، وأنَّ ما دون الثلاثةِ _أي: من اثنين وواحد_ عصَاةٌ؛ لأنَّ معنى قوله: ((شيطان))؛ أي: عاصٍ.
          وقال الطَّبريُّ: هذا الزَّجر زجرُ أدبٍ وإرشادٍ لِما يُخشى على الواحدِ من الوحشةِ بالوحدَةِ، وليس بحرامٍ، قال: فالسَّائر وحدَه في فلاةٍ، وكذا البائتُ في بيتٍ وحدَه لا يأمنُ من الاستيحَاشِ، ولا سيَّما إذا كانَ ذا فكرةٍ رديئةٍ وقلبٍ ضعيفٍ، قال: والحقُّ أنَّ الناسَ يتباينونَ في ذلك، فيحتملُ أنَّ الزَّجر وقعَ لحسمِ المادَّة فلا يتناوله إذا وقعتْ الحاجةُ لذلك.
          وقيل في تفسيرِ قولهِ عليه السَّلام: ((والرَّاكبُ شيطانٌ)): أي: سفره وحده يحمله عليه الشيطان أو يشبه الشَّيطان في فعلهِ، وقيل: إنَّما كرهَ ذلك؛ لأنَّه لو ماتَ في سفرهِ لم يجدْ مَن يقومُ عليه، وكذلك الاثنان إذا ماتَا أو أحدُهما لم يجدْ مَن يُعينه، بخلافِ الثَّلاثة، فإنَّه في الغالبِ تُؤمَن تلك الخشية، وسيأتي التَّعرُّض لذلك أيضاً في باب السَّير وحدَه.