الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب حمل الزاد في الغزو

          ░123▒ (بَابُ حَمْلِ الزَّادِ): أي: جواز حمله (فِي الغَزْوِ): أي: وفي غيرهِ من الأسفَار؛ لأن ذاك لا يُنافي التَّوكل (وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى): ولأبي ذرِّ: <╡> بدل: ((تعالى))؛ أي: في سورة البقرة ({وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة:197]): أي: تزودوا لسفركُم مطلقاً أو لسفرِ الحجِّ أو العمرة، فإن الآيةَ نزلت في الثاني.
          روى النَّسائي عن ابن عبَّاس ☻ قال: ((كان ناسٌ يحجُّون بغير زادٍ، فأنزلَ الله تعالى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى})).
          وعن ابن عبَّاس أيضاً قال: ((كان ناسٌ من أهل اليمنِ يحجُّون ولا يتزوَّدون ويقولون: نحن المتوكِّلون مُظْهرين التَّوكل، ثمَّ يسألونَ الناس فنزلتْ))، قيل: من التَّقوى الكفُّ عن السؤال، واستصحاب الزاد الذي يكفُّ عن الاحتياج إلى اللئام.
          وقال بعضُهم: وتزودوا لسفر الدُّنيا بالطَّعام، ولسفرِ الآخرةِ بالتَّقوى للمليك العلام، فإنَّ خير الزاد التَّقوى فإنها المنجيةُ من البلوى، ثم حثَّهم على التَّقوى فقال: {وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [ابقرة:197].
          فإن قضيَّة اللُّب خشيةُ الله وتقوَاهُ، وأمرهم أن يكون المقصود بها هو تعالى فيتبرَّأ الإنسانُ من كلِّ شيءٍ سوى الله، وهو مقتضَى العقل المعرَّى عن الشَّوائب، وخصَّ أولي الألبابِ بهذا الخطاب.