الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم

          ░102▒ (باب دُعَاءِ النَّبِيِّ صلعم النَّاسَ) من إضافة المصدرِ إلى فاعله (إِلَى الإِسْلاَمِ) متعلِّق بـ((دعاء)) (وَالنُّبُوَّةِ) عطفٌ على الإسلام؛ أي: وباب الدُّعاء إلى الاعترافِ بالنُّبوة والعمل بما جاءتْ به، وسقط: <الناس> لغيرِ أبي الوقت (وَأَنْ لاَ يَتَّخِذَ) بفتح الهمزة أو المجرور بإلى (بَعْضُهُمْ) أي: بعض الناس فهو فاعل يتَّخذ، ويحتملُ أنه بدل من فاعله المستتر الرَّاجع إلى الناس.
          (بَعْضاً أَرْبَاباً) جمع رب منصوبٌ على أنه المفعول الثاني لـ((يتخذ)) (مِنْ دُونِ اللَّهِ) وكأنَّه يشير إلى قوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ} أو إلى قوله: {وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَاباً} أو إلى قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} الآية.
          ومعنى اتِّخاذِهِم أحبارهم ورهبانهم أرباباً أنهم أطاعوهم في تحريم ما أحلَّ اللهُ، وتحليلِ ما حرَّم الله أو بالسُّجود لهم، وقالوا في المسيحِ: إنَّه ابنُ الله تعالى الله عن ذلك فكأنَّهم اتخذوه ربًّا، أشار إليه البيضاوي.
          (وَقَوْلِهِ تَعَالَى) أي: في سورة آل عمران،وهو مجرورٌ عطفاً على أحدِ المجرورات قبله، ويجوز رفعه / ({مَا كَانَ لِبَشَرٍ}) أي: لا يجوز لإنسان ({أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ}) وقوله: (إِلَى آخِرِ الآيَةِ) سقط لأبي ذرٍّ لفظ: <إلى آخره> لكنه زاد: <{الكِتَابَ}>.
          قال في ((الفتح)): والمراد من الآية الإنكارُ على من قال: {كُونُوا عِبَاداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ} [آل عمران:79]، انتهى.
          والآية كما قال البيضاويُّ هي تكذيبٌ وردَ على عبدَةِ عيسى عليه السلام، وقيل: إنَّ أبا رافع القُرَظِي والسَّيد النَّجراني قالا: يا محمَّد أتريد أن نعبدَكَ ونتَّخذك ربًّا فقال: ((معاذَ اللهِ أن نعبدَ غيرَ الله، أو أن نأمرَ بغير عبادَةِ الله، فما بذلك بعثني، ولا بذلك أمَرَني)) فنزلَتْ، وقيل: قال رجل: يا رسول الله نسلِّمُ عليك كما يسلِّم بعضُنَا على بعضٍ، أفلا نسجدُ لك؟ قال: ((لا ينبَغِي أن يُسْجَد لأحدٍ من دونِ الله، ولكن أكرمُوا نبيَّكُم، واعرفُوا الحقَّ لأهلهِ)) انتهى.
          واستيفاء الكلامِ على الآية في كتب التَّفاسير، وقال القسطلاني: والمعنى ما ينبغِي لبشر أن يؤتيه الله الكتابَ والحُكم والنُّبوة أن يقولَ للنَّاس: اعبدُوني معَ الله، وإذا كان لا يصلحُ لنبيٍّ ولا لمرسلٍ فلأن لا يصلحُ لأحدٍ من الناس غيرهم بالطَّريق الأولى، وقد كان أهلُ الكتاب يتعبَّدون لأحبارِهِم ورُهبانهم كما قال تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة:31] انتهى.
          وفي قوله: اعبدوني مع الله، شيءٌ، فتدبَّر.