الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب: الجهاد ماض مع البر والفاجر

          ░44▒ (بَابٌ الْجِهَادُ مَاضٍ مَعَ البَرِّ): بفتح الموحَّدة (وَالْفَاجِرِ): بالفاء والجيم؛ أي: جهاد الكفَّار مستمرٌّ وباقٍ وجوبُه صحبةَ الإمامِ الصَّالح والفاسقِ، قال في ((المصباح)): مضَى الشَّيء يمضِي مضيًّا ومَضاءً _بالفتح والمدِّ_:ذَهَبَ، ومضيتُ على الأمرِ مضياً داومتُه، ومضَى الأمرُ مضَاءً: نفذَ، وأمضيتُه بالألف: أنفذتُه.
          قال في ((الفتح)): هذه التَّرجمةُ لفظ حديثٍ أخرجَهُ بنحوهِ أبو داود وأبو يعلى مرفُوعاً وموقُوفاً عن أبي هُريرة، إلَّا أنَّ مكحولاً لم يسمَعْ من أبي هُريرة، انتهى، وذلك لأنَّ أبا داود رواهُ بسندٍ إلى مكحولٍ عن أبي هُريرة بلفظ: قال: قال رسولُ الله صلعم: ((الجهَادُ واجبٌ عليكم معَ كلِّ أميرٍ، بَرًّا كان أو فاجراً وإن عملَ الكبائرَ))...الحديث، ولأبي داود من حديث أنس مرفوعاً: ((والجهادُ ماضٍ منذ بعثَنِي اللهُ إلى أن يقاتلَ آخرُ أمَّتي الدَّجَّالَ لا يبطلُهُ جورُ جائرٍ ولا عدلُ عادلٍ)).
          وقد سبقَ البخاريَّ إلى الاستدلالِ بهذا الحديثِ الإمامُ أحمدُ؛ لأنَّه صلعم ذكرَ بقَاء الخيرِ في نواصِي الخيلِ إلى يوم القيامَةِ؛ لقولِ النبيِّ صلعم: ((الخيلُ معقودٌ في نواصيهَا الخيرُ إلى يومِ القيامةِ)).
          هذا التَّعليقُ وصله المصنِّفُ في الباب السَّابق وفي هذا البابِ، لكن بزيادةِ: ((الأجرُ والمغنمُ))، وجه الاستدلالِ به أنَّه عليه السَّلام أخبرَ أنَّ الخير باقٍ في الخيلِ إلى يوم القيامةِ، وفسَّر الخيرَ بالأجرِ والمغنَمِ في حديث البابِ، والمغنمُ المقرونُ بالأجرِ لا يكونُ إلَّا بالجهادِ، ولم يقيِّد الجهادَ بكونهِ مع العادلِ والفاجرِ، نبَّه عليه في ((الفتح))، ثمَّ قال: حكى ابنُ التِّين أنَّه وقع في رواية أبي الحسنِ القابسيِّ في التَّرجمة: <الجهاد ماضٍ على البَرِّ والفاجر>، قال: ومعناه: أنَّه يجبُ على كلِّ أحدٍ، انتهى.
          قال في ((الفتح)): إلَّا أنَّه لم يقع في شيءٍ من النُّسَخ التي وقفنَا عليها، بل وجدْتُه في نسخةٍ قديمةٍ من رواية القابسيِّ كالجماعةِ، قال: والَّذي يليقُ بلفظِ الحديثِ ما وقعَ في سائر الرِّوايات بلفظ ((مع)) لا ((على))، انتهى.
          وأقولُ: نسبَ الزَّركشيُّ: ((مع)) رواية أبي ذرٍّ، وروايةِ: ((على)) للأكثرِ، وقوله: والذي يليقُ...إلخ لا يحفَى ما فيه، فإنَّ الآخر يليقُ أيضاً، فافهم.