الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب قتل الصبيان في الحرب

          ░147▒ (بابُ قَتْلِ الصِّبْيَانِ فِي الْحَرْبِ) أي: باب بيانِ حكم قتلِهم فيه، وهو النهيُ عنه كما يدلُّ له حديثُ الباب، وذلك لعدم جريان أحكامِ المكلَّفين عليهم؛ لصغرهِم ولعدمِ صَلاحيتهِم للقتالِ غالباً، ولما في بقائهِم من الانتفاعِ بهم إمَّا بالرقِّ أو بالفداءِ عند مَنْ يجوِّزُ أنْ يفاديَ به.
          قال في ((الفتح)) في البابِ السَّابقِ: وكأنَّ الزُّهريَّ أشارَ بذلك إلى نسخِ حديث الصَّعبِ، وقال مالكٌ والأوزاعيُّ: لا يجوز قتلُ النساء والصبيان بحالٍ حتى لو تترسَ أهلُ الحرب بهم، أو تحصَّنوا بحصنٍ أو سفينةٍ، وجعلوا معهم النساءَ والصبيانَ لم يجزْ رميُهم ولا تحريقُهم، ثم قال فيه: وحكى الحازميُّ قولاً بجواز قتلِ النساء والصِّبيان على ظاهر حديث الصَّعبِ، وزعمَ أنه ناسخٌ لأحاديث النَّهيِ وهو غريبٌ. انتهى.
          والصَّوابُ أنَّ أحاديثَ الجواز منسوخةٌ أو مخصَّصةٌ بأحاديث النَّهيِ كحديثِ الباب وغيرِه مما قدمنا بعضَه في الباب السَّابق، وممَّا لم يتقدَّمْ ما أخرجه أبو داودُ في ((المراسيل)) عن عكرمةَ: أنَّ النبيَّ صلعم رأى امرأةً مقتولةً بالطَّائف، فقال عليه السلام: / ((ألمْ أنهَ عن قتلِ النِّساءِ؟ مَنْ صاحبُها؟)) فقال رجلٌ: أنا يا رسول الله، أردفتُها فأرادَتْ أنْ تصرعَني فتقتُلَني فقتلتُها، فأمرَ بها أنْ تُوارى، ويُحتملُ في هذا التَّعدد، والذي جنحَ إليه غيرُهم الجمع بين الحديثين، كما تقدمتْ الإشارةُ إليه، وهو قولُ الشَّافعي والكوفيين وقالوا: إذا قاتلتْ المرأةُ جاز قتلُها.
          وقال ابنُ حبيبٍ من المالكيَّة: لا يجوز القصدُ إلى قتلِها إذا قاتلتْ إلَّا إنْ باشرَتْ القتلَ أو قصدَتْ إليه، قال: وكذلك الصبيُّ المراهقُ، ويؤيدُ قولَ الجمهور ما أخرجَه أبو داود والنسائيُّ وابنُ حبانَ من حديث رِياح بن الرَّبيعِ وهو _بكسر الراء والتحتانية_ التَّميمي قال:كنَّا مع رسولِ الله صلعم في غزوةٍ، فرأى الناسَ مجتمعين فرأى امرأةً مقتُولةً فقال:((ما كانتْ هذه لتقاتل)) فإنَّ مفهومَه أنها لو قاتلَتْ لقُتلتْ، واتَّفقَ الجميعُ كما قال ابن بطَّالٍ وغيره على منعِ القصدِ إلى قتل النِّساءِ والولدانِ.